7/13/2011

مخاوف من تزايد مشاكل الإغراق جراء الاستمرار بدعم مدخلات المصانع السعودية

الأربعاء 12 شعبان 1432 هـ - 13 يوليو 2011م - العدد 15724

الرياض – فهد الثنيان
    تباينت آراء مختصين اقتصاديين في مدى أهمية إعادة آلية الدعم الحكومي للشركات السعودية بعد إعلان جهات حكومية التوجه إلى رفع الإعانة الحكومية للمصانع السعودية وفقا لمتغيرات الأسعار العالمية.
وأكدوا في حديثهم ل "الرياض" أن استمرار الدعم ينذر بتزايد قضايا الإغراق المرفوعة على المنتجات السعودية بالخارج.
وطالبوا بأن تكون برامج الدعم الحكومي مرتبطة بتوقيت محدد للوصول بالشركات السعودية إلى التنافسية العالمية من خلال الخفض التدريجي للدعم الحكومي وليس زيادته.
وقال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين أنه يجب إعادة النظر في آلية الدعم الحكومي للشركات السعودية بما يحقق المصلحة العامة, مبينا أن التنافسية العالمية تفرض على الشركات السعودية الالتزام بالمعايير الدولية التي تفرضها منظمة التجارة العالمية.
ولفت إلى أن قضايا الإغراق تعد من أكبر المشاكل التي تواجهها المنتجات السعودية بالخارج, والسبب الرئيسي في رفع مثل هذه القضايا هو ما يقدم من دعم لمدخلات المصانع السعودية, مضيفا "من هذا الجانب فإنه من المفترض أن تكون برامج الدعم الحكومي مرتبطة بتوقيت محدد للوصول بالشركات السعودية إلى التنافسية العالمية من خلال الخفض التدريجي للدعم الحكومي وليس زيادته كما يطالب به البعض".
وأبان أنه يجب أن تعمل الشركات السعودية معايير الربحية لمنتجاتها شريطة تجنب أساليب الاحتكار والاتفاق على الأسعار, فتصبح المنافسة العادلة هي المحرك للأسعار في السوق وليس الاتفاقيات الداخلية فيما بينها.
وتحفظ البوعينين على من يطالب بدراسة رفع الدعم الحكومي للشركات المحلية قائلا "ما قدم من دعم يعتبر كافيا للكثير من الشركات للنهوض بنفسها بمعزل عن الدعم الحكومي".
وذكر أن الأسعار الحالية للشركات السعودية تحقق لها الربحية بدليل نتائجها المالية الأخيرة ومن ضمنها شركات الألبان التي تركز في مبيعاتها على الشركات الكبرى وليس المستهلكين الأفراد ومع ذلك فهي تحقق أرباحا جيدة مما يعني أنها لا تعاني من انخفاض الربحية على الإطلاق.
وأشار بنفس السياق إلى أهمية فتح السوق المحلية للمنافسة العادلة ومن ضمنها تحديد الأسعار المحققة للربحية بشرط أن لا يؤثر ذلك على المستهلكين البسطاء, وإذا ما حدث ذلك فيجب على وزارة التجارة التدخل الحازم العادل بما يحقق مصلحة المستهلك ولا يضر بمصلحة المنتج مع الأخذ بالاعتبار البعد عن مقايضة القرار الحازم بالدعم.
وقال إن عدوى ارتفاع أسعار الألبان ستنتقل إلى منتجات أخرى أساسية، وعدوى الارتفاع أشبه بانتشار السرطان في الجسم, مما يستلزم تشديد الرقابة على التجار المستوردين والذين يستغلون المواسم برفع قيمة السلع على أسواق التجزئة, داعيا إلى مراقبة منافذ التوزيع لعدم رفع الأسعار, والقضاء على تسويق السلع القريبة من انتهاء الصلاحية والتي تنشط كثيرا قبل حلول شهر رمضان.
من جهته قال الدكتور فهد بن جمعة ان إصدار وزير التجارة قراراً بإخضاع الحليب الطازج والألبان الطازجة لأحكام التنظيم التمويني في الأحوال غير العادية هو قرار يجب إعادة صياغته حتى يتماشى مع الحقائق على أرض الواقع محليا وعالميا حتى نقدم أفضل جودة وأسعار للمستهلك في إطار التغيرات المحلية والخارجية.
وأضاف أن متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء في يونيو هذا العام بلغ 234 نقطة بارتفاع 1% عن متوسطه في مايو وبارتفاع بلغ 39% في يونيو 2010. وبلغ مؤشر المنظمة لأسعار الغذاء في فبراير 238 نقطة ووصل لأعلى مستوى له هذا العام، بينما ارتفعت أسعار الألبان الدولية ارتفاعاً طفيفاً في يونيو، حيث بلغ متوسط مؤشر المنظمة لأسعار الألبان 232 نقطة في يونيو دون تغيير تقريباً عن متوسطه الذي بلغ 231 نقطة في مايو، مما نتج عنه تباين في الأسعار، حيث ارتفعت أسعار مسحوق اللبن المجفف المنزوع الدسم والكازين بنسبة 5%، وانخفضت أسعار مسحوق اللبن الكامل الدسم 3%، بينما ظلت أسعار الزبده والجُبن ثابتة.
وقال انه من اللافت أن مؤشر أسعار منتجات الألبان العالمية قفز من 95 نقطة في 2003 إلى 220 نقطة في 2008 ثم تراجع إلى 142 نقطة في 2009 بعد الأزمة المالية العالمية، لترتفع مرة ثانية في 2010 وتصل إلى 200 نقطة, ولكنها قفزت في النصف الأول من عام 2011، حيث وصل متوسط المؤشر إلى 230 نقطة وبنسبة 15% عن العام السابق.
وعاد ابن جمعة للقول بأن أسعار الألبان العالمية قد ارتفعت وبنسبة كبيرة في السنوات السابقة وقد ينعكس هذا على شركات الألبان السعودية مع التمييز بين الجودة وإدارة الشركات المشهود لها بالإدارة الجيدة والأداء الأفضل محليا ودوليا، بينما الإعانة للمصانع المحلية تتراجع بعد أن تراجعت إعانة الذرة من ألف ريال للطن في 2008 إلى 225 ريالا في 2011، وكذلك تراجعت إعانة كسب الصويا من 1485 ريالاً إلى 379 ريالاً، وبذرة القطن من 1326 ريالاً إلى 325 ريالاً، وقشرة فول الصويا من 918 ريالاً للطن إلى 201 ريال للطن الواحد, وهذا ما دفع بعض الشركات إلى رفع أسعارها.
وأكد أن الهامش الربحي للشركات بشكل عام والألبان بشكل خاص قد تقلص حيث تشير معطيات السوق المحلي إلى أن الهامش الربحي تراجع من 10% إلى 2% حاليا، مما سيجبر الشركات لإنتاج منتجات ذات ربحية وتغيير تصميم وأحجام العبوات من أجل تحقيق هامش ربحي جديد في المدى المتوسط. وطالب ابن جمعة الجهات الداعمة بأن تعيد حسابات الدعم بعد ارتفاع أسعار التضخم عالميا ومحليا بما يضمن استقرار أسعار الألبان دون إلحاق الضرر بالشركات المحلية أو المستهلكين.

7/11/2011

كيف تختار الشركة المناسبة لاستثماراتك؟

الاقتصادية
د. فهد محمد بن جمعة
05/05/1427هـ

إن الطريقة التي يتبعها بافت في شرائه الأسهم قد حققت له ناجحا كبيرا فهو لا يهتم بتقلبات أسعار الأسهم بقدر ما يهتم بعمل واجباته بكل جدية فدائما يسأل نفسه هل عمل جميع واجباته الاستثمارية؟ إن حصولك على المزيد من المعلومات عن الشركات محل الاستثمار سوف يساعدك على القيام بواجباتك الاستثمارية ومعرفة السوق جيدا بدلا من إعطاء أهمية بالغة بحد ذاته وماذا ينتج عنه. فإذا ما اشتريت أسهما في تلك الشركات وأنت واثق أن وضعها المالي في المنظور البعيد جيد فلا داعي لأن تهتم كثيرا بما يدور في سوق الأسهم يوما بيوم من تقلبات وشائعات تحرفك من اتخاذ القرار الاستثماري المبني على أسس واقعية. إن المستثمر الذي على معرفة كافية بما تنطوي عليه عمليات الاستثمار لا يحتاج موافقة السوق على شرائه للأسهم التي يرى لها قيمة استثمارية في الأجل البعيد وإنما عليه أن يراقب السوق عسى أن يجد بائعا أحمق يبيع أسهم شركات جيدة وبأسعار منخفضة حتى يلتقطها وتصبح من نصيبه.
لا تحاول أن تحلل الاقتصاد بشكل عام وتحدد اتجاهاته وأنت لم تستطع حتى تحليل تحركات أسعار الأسهم اليومية التي هي أصغر بكثير من حجم الاقتصاد الكلي حتى لا تكون قراراتك مبنية على توقعات خاطئة وغير دقيقة. وإذا ما سبق لك وأن عملت في مجال التنبؤات واستعمال النماذج الرياضية والإحصائيات لتكهن بمستقبل أسعار التضخم أو معدلات النمو الاقتصادية لعدة سنوات في المستقبل فإنك تعرف مدى صعوبة الأمر، ولذا يلجأ المحللون إلى الاعتماد على الفرضيات (إذا ما كانت الأشياء الأخرى ثابتة وهذا مستحيل) أو أن يضعوا عددا من السيناريوهات (إذا ما حصل هذا فإنه سوف يحصل هذا وهكذا) على أن يكون نطاق الخطأ ما بين 5 في المائة و10 في المائة، وهذا لا يعني ألا يكون الخطأ أكبر بكثير من ذلك في ظل احتمالية الشكوك وعدم معرفة المجهول التي تضعف قوة تلك التنبؤات في المستقبل، وهذا لا يلغي أهميتها ولكن يعتمد ذلك على كيفية استعمالها وتفسيرات الخبراء لها الذين يتمتعون بممارسة طويلة في ذلك المجال. إن الأفضل ليس فقط أن تكون راضيا عن مستقبل الاقتصاد بل عن مستقبل الشركة التي ترغب الاستثمار فيها إذا ما كانت شركة تنمو وتربح دائما في أي بيئة اقتصادية بغض النظر عن الوضع الاقتصادي. لذا عليك أن تطرح العديد من الأسئلة وألا تبقى مستمعا يملي عليك أصحاب الشركات كل ما يرونه في صالحهم لأن هدفهم هو الربحية, فعليك أن تصبح مساهما متلبسا باسم الملكية آخذا في اعتباراتك العوامل التي تحدد وضع تلك الشركات. فكن مستثمرا ذكيا ويحث عن شركات تستطيع فهم عملياتها التشغيلية جيدا الآن وفيما بعد والتي يشغلها ويديرها مجموعة من الأشخاص الأمناء الصادقين في عملهم مع إمكانية شراء أسهمها عند أسعار جيدة. لذا عليك أن تبني قرارك الاستثماري على الوضع المالي والإداري والتشغيلي والتسويقي لتلك الشركات التي ترغب أن تساهم فيها أو تشتريها إذا ما توافر لك رأس المال الكافي (تأكد أن لك الحق في شراء الشركة أو نسبة منها فيما بعد إذا ما كنت تخطط لذلك). فعليك أن تسأل نفسك هل تلك الشركات يسهل فهمها من قبلك؟ هل تعرف كيف تبيعك تلك الشركات منتجاتها أو خدماتها؟ وهذا معناه أنك تحتاج أن تفهم دخل الشركات, مصاريفها. تدفقاتها النقدية, علاقاتها العمالية, أسعارها, احتياجاتها إلى رأس المال. إنها معلومات استثمارية تتطلب درجة عالية من المعرفة، ولكن عليك أن تستثمر في الشركات التي تناسب قدراتك المالية والمعرفية. وإذا احتجت إلى تقوية مهاراتك المعرفية فعليك بقراءة الكتب الاستثمارية والمالية وكل ما يتعلق بالأسهم والشركات من كل النواحي. وخزن في الجانب الأيسر من مخك الأسئلة التالية التي لا بد أن تعرف الإجابة عنها:
هل الشركة لها تاريخ تشغيلي طويل ومترابط؟ بشكل عام أفضل معدل ربحي يتحقق في الشركات التي تنتج أو تقدم الخدمة نفسها لعدة سنوات متتالية وعليك ألا تتعاطى مع واقع الأعمال من أجل رؤية ناجحة، وأن تبحث عن الشركات التي تتكيف مع الدورات الاقتصادية وعوامل المنافسة مستقبليا حتى لا تباغتك الخسارة من حيث لا تدري. ثم اسأل هل لهذه الشركات مستقبل في الأجل الطويل؟ هل إدارتها تتمتع بالرشادة الاقتصادية؟ هل إدارتها تعمل وتفكر مثل ملاكها؟ وكيف يتم توزيع رأس المال في الشركة؟ إن المديرين الرشيدين هم الذين يستثمرون الفائض النقدي لشركة في مشاريع ذات عائد أعلى من تكاليف رأس مالها في الأجل الطويل وتخصيص رأس المال capital allocation الذي تحدده قيمة الشركة. وماذا يعمل المديرون بالنقدية الفائضة عند مرحلة النضوج من أجل تعويض انخفاض المبيعات في مرحلة انحدار ثم النقدية؟ إن الشركات تمر بعدة مراحل في نموها, مرحلة النمو, النضوج ثم مرحلة الانحدار حيث تتقلص النقدية فيها تبعا لتقلص المبيعات. إن على المديرين أن يوفروا المعلومات اللازمة للمساهمين في الشركات وعن أدائها الاقتصادي والأخطاء التي قد ارتكبوها وكيف تم تصحيحها حتى يكون المديرين المساهمون في موقف واضح للحكم على أداء الشركة بالنجاح من عدمه. إن قدرة المديرين على تحمل الألم في الأجل القصير ثم عمل التغيرات اللازمة من أجل تعظيم الربحية في الأجل الطويل مرتبط بمهارات هؤلاء المديرين إذا ما كانت لديهم روح الإبداعية بدلا من تقليد سلوك الشركات المنافسة. أيها المستثمر انظر إلى الناحية المالية لشركة وركز على العائد على حقوق المساهمين وليس العائد على كل سهم ثم احسب ذلك العائد وابحث عن الشركات ذات الهامش الربحي المرتفع, ولا تدع الشركات التي ترفع رأسمالها بعد التجزئة بسبب الأرباح المحتجزة Retained earning أو النمو في الأرباح تخدعك بارتفاع ربح السهم كل عام. لأن المعيار الأفضل لقياس أداء الشركة ليس ربح السهم وإنما العائد على حقوق الملكية (معدل العائد التشغيلي على حقوق المساهمين) لأنه يقيس قدرة الإدارة على تحقيق العائد من العمليات التشغيلية تبعا لرأس المال الذي تم توظيفه. وبما أن قيمة الشركة مرتبطة بحجم الفائض من التدفقات النقدية فإن الشركة التي تمتلك أصولا ثابتة وبتكلفة مرتفعة بنسبة إلى معدل الربحية تحتاج إلى عائد كبير حتى تحافظ على ربحيتها وذلك بعكس الشركة ذات الأصول منخفضة التكاليف. إن كل ريال تكسبه الشركة عن طريق الأرباح المحتجزة في كل يوم من المفروض أن يضيف إليها قيمة سوقية إضافية. ويمكن تقييم ذلك بخصم جميع الأرباح الموزعة من dividends من صافي الدخل خلال السنوات العشر الأخيرة ثم إضافته إلى القيمة السوقية لشركة عند بداية السنوات العشر لتحصل على مجموع بداية المدة، وإذا ما كانت الشركة قد وظفت الربح المحتجز بكل فعالية فإن القيمة السوقية في الأجل الطويل (قيمة سوق الأسهم لشركة التي تعكس قيمتها الاقتصادية) عند نهاية السنوات العشر سوف تتجاوز مجموع نهاية المدة وإذا لم يكن فعليك أن تنتبه. كان بافت يحسب القيمة لأي مشروع تجاري طبقا لصافي التدفقات النقدية المتوقعة، طول عمر المشروع المفترض مخصوم بمعدل الفائدة المختارة, لأن صافي التدفقات النقدية هو مجموع حقوق المالكين على المدى الطويل.
أخي المساهم حدد نسبة خصم أمان لاستثماراتك كما كان بافت يضع هامش أمان أقل خطرا لاستثماراته عند نسبة خصم 25 في المائة, وكن مستثمرا ذكيا بوضع الأوليات لنفسك وكأنك صاحب المشروع فركز على قيمته في الأجل الطويل, واسمع ما يقوله بافت إن تنويع الأسهم مطلوب عندما لا تعرف ماذا تعمل.
وأخيرا, انظر إلى عظمة الاستثمار عندما يكون مبنيا على معرفة ووعي كامل يقول قرانهام لو أنك استثمرت عشرة آلاف دولار في بركشاير Berkshire Hathaway في عام 1965 والذي يملكه بافت لحققت الآن 51 مليون دولار بخلاف لو أنك استثمرت في قائمة أسهم ستاندر وبور Standard & Poor's الذي سوف تحصل فقط على 497.431 دولارا ولك الحكم على ذلك.

ارتفاع الأسعار ماذا يعني؟


الأثنين 10 شعبان 1432 هـ - 11 يوليو 2011م - العدد 15722

المقال


د. فهد محمد بن جمعة*
    لا شك ان حرية السوق هي أفضل طريقة لتحقيق التوازن بين الكمية المعروضة من سلع وخدمات والطلب على المدى الطويل، إذا ما تجاهلنا الحركة التصحيحية التي تحدث في المدى القصير لتقترب الأسعار من نقطة التساوي مع تكلفة الوحدة المتغيرة, لكن لا يعني أن لا يتخلل السوق بعض الفشل في أداء وظائفه التي تقدم أفضل الأسعار والجودة وبكميات كافية تحقق رضا المستهلك ولا تخسر المنتج. هذا الفشل يدفع بالسلطات الحكومية إلى التدخل في السوق من أجل تصحيحه بطريقة غير مباشرة ولكن يجب أن يكون التدخل محدودا وفي نطاق ضيق إما من خلال السياسات النقدية أو المالية أو القانونية. وهذا لا يعني أن التدخل سوف يحقق أهدافه، ففي كثير من دول العالم لم يسفر التدخل الحكومي عن نتائج ايجابية إلا إذا كانت هناك أسس ومبادئ وقوانين واضحة ومكتوبة ومدروسة جوانبها الايجابية وما سوف يتمخض عنها من آثار سلبية على المنتج والمستهلك والاقتصاد ككل.
عندنا في السعودية كثير من المستهلكين يطالبون بالتدخل الحكومي في كل شي لحمايتهم من ارتفاع أسعار السلع والخدمات واتهام المنتج أو التاجر بأنه جشع ويرفع الأسعار بعيدا عن الطريقة التي يتم بها التسعير، وهذا خطأ يتنافى مع مبدأ حرية السوق المرتبط بكمية المعروض والطلب، فعندما يكون ارتفاع الأسعار ناتجا عن تغيرات موسمية أو ارتفاع تكلفة مدخلات الصناعة سواء كانت محلية أو خارجية (ارتفاع سعر حليب بعض الشركات إلى 8 ريالات للجالون) فإنها ظاهرة صحية ليتم إعادة التوازن في السوق من خلال تناقص حدة الطلب في مواجهة ارتفاع الأسعار واستعمال البدائل الأخرى ودخول منافسين جدد مع عودة الأسعار إلى مستوى أقل مما كانت عليه، مما يزيد فائض المستهلك ولا يضر بالمنتج ويوفر الكميات بشكل مستمر.
عندنا في السعودية نخلط بين ارتفاع الأسعار والتضخم فليس كل ارتفاع في الأسعار تضخما، لان التضخم ارتفاع متواصل في الأسعار خلال فترة محددة في العادة سنة واحدة مع تحديثه بصفة شهرية أو ربعية. فعندما يرتفع سعر كيس السكر (10 كغ) من 30 إلى 42 ريالا في يناير ثم ينخفض في الشهر التالي (تغيرات موسمية أو مفاجئة) فلا يعني أن هذا تضخم بل نتيجة لشح المعروض، عندما يحدث فيضانات في العالم تدمر المحصول أو يستخدم بكميات كبيرة لإنتاج الوقود الحيوي كما يحث في البرازيل. فعلى المستهلك أن يفكر قليلا عند اتخاذ الحكومة قرارات برفع الرواتب أو التعرفة الكهربائية أو التشدد في الإجراءات الجمركية وإطالة مدة تخليص البضاعة بأنها عوامل تؤدي إلى رفع الأسعار بنسبة تلك التكاليف على الأقل.
عندنا في السعودية البعض يقول قاطعوا التجار حاصروهم انهم يستغلون المستهلكين بطريقة التعميم دون دراسة ميدانية وعلمية تؤكد ذلك وبدون أن نفكر في الآثار السلبية، عندما تتقلص الأعمال ماذا يعني؟ كثير من السعوديين سوف يخسرون وظائفهم وبفقد الاقتصاد القيمة المضافة لتلك الأعمال وتصبح الحلقة الدائرية بين انتقال قيمة الإنتاج والإنفاق مفرغة وتتوقف دورة الأعمال بجلطات قاتلة يطول علاجها وقد يفوت الأوان. هنا لا تنخفض الأسعار بل تقفز بشكل متسارع مع خروج بعض التجار وبقاء القلة يتحكمون في السوق ويثبتون الأسعار، فيندم المستهلك على اتهاماته وسيدعو بالخير (لأدم اسمث) ويسأله من عطل عمل اليد الخفية.
عندنا في السعودية لا نفرق بين الأسعار التنافسية والأسعار الاحتكارية، يقول أحد المستهلكين بل أحد المسؤولين للأسف أنك تجد سعر المنتج الواحد بأسعار متباينة في عدة أماكن ويعتبره احتكارا، فإذا كان تفاوت الأسعار يعتبر احتكارا، فما هو الاحتكار إذا؟ بتأكيد كلام خاطئ تباين الأسعار ظاهرة صحية وتؤكد على المنافسة وإنما التباين عائد لعوامل المدخلات أو ارتفاع تكلفة المواصلات، فإذا مكان ارتفاع السعر عائد إلى جشع التاجر فانه سوف يخسر لان نفس المنتج سيباع في أماكن أخرى بأسعار اقل. فقد يقول المستهلك إنني لا اعرف انه يوجد في أماكن أخرى بسعر اقل، انه مسؤوليتك أن تبحث عن السعر الأقل ولكن قيم تكلفة رحلتك من بيتك حتى الوصول إلى ذلك المنتج.
عندنا في السعودية الأسعار المرتفعة يعني احتكار القلة (Oligopoly) ونقول تباين الأسعار احتكار ولكن الصحيح تثبيت الأسعار هو الاحتكار وليس ما يعرف بالأسعار الموحدة، بل إن تثبيت شركة ما لأسعارها من خلال سيطرتها بقوة على السوق بامتلاكها أكبر حصة سوقية يمكنها من فرض الأسعار التي تريدها وينصاع لها جميع الشركات الأصغر حجما وإلا خرجت من السوق. للأسف لا يوجد لدينا آلية أو نسبة محددة نستطيع من خلالها معرفة وجود احتكار القلة في أسواقنا أي عدد قليل من الشركات الكبيرة تسيطر على السوق وتحدد الأسعار دون منافسة. فلا نستعمل مؤشر هرفندهال (Herfindahl index) الذي يقيس التركز أو حجم الشركات بنسبة لصناعة وكذلك مؤشر لمستوى المنافسة فيما بينهم وذلك بتحديد متوسط حصة الشركة الموزونة بحصة السوق حيث يكون النطاق ما بين 0 إلى 1 يبدأ من اكبر قيمة للشركات الصغيرة إلى المنتج المحتكر. التناقص في المؤشر يعني فقدان القوة التسعيرية وارتفاع معدل المنافسة والعكس صحيح.
علينا أن نفرق بين احتكار القلة واحتكار الكثرة، حيث يوجود في السوق العديد من البائعين يبيعون منتجات متمايزة أو غير متجانسة على الإطلاق في تصميمها أو رائحتها بينما هي نفس المنتجات، ما يجعل كل علامة تجارية تحدد سعرها باستقلالية، على سبيل المثال، تجارة التجزئة، في حين أن احتكار القلة أن تمتلك الشركة حصة كبيرة من السوق والشركات تعتمد على بعضها البعض. هذا هو حال سوقنا ماركات منتشرة والمالك واحد فلا سعر ماركة يؤثر على الآخر.

* عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية
عضو الجمعية المالية الأمريكية

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...