الرياض – نايف الحمري
ضبط حوالي ألف حالة تستر سنوياً أغلبها في قطاع المقاولات والسلع الاستهلاكية.
«التصحيح» سيوقف النزف الاقتصادي والتحويلات غير النظامية.
خليفة: فتوى التحريم والعقوبات لم تحد من التستر في القطاع التجاري والخدمات.
د. بن جمعة: «الاقتصاد الخفي» يوازي 18% من الناتج المحلي.. و«الشورى» يخضعه للدراسة.
طالب خبيران اقتصاديان جميع الوزارات وفي مقدمتها وزارات الداخلية
والمالية والتجارة والعمل ومؤسسة النقد العربي السعودي ومصلحة الإحصاءات
العامة وغيرها من الأجهزة المعنية، بالحد من انتشار ظاهرة «الاقتصاد
الخفي»، التي يقدر حجمها بنحو 330 مليار ريال ويتوقع أن تصل في نهاية العام
إلى 400 مليار ريال. وأكدا لـ «الشرق» أن الاقتصاد الخفي منتشر في كل دول
العالم، وأن الحملة التصحيحية للعمالة المخالفة سوف تحد من انتشاره،
مطالبين بالاعتماد على التعاملات الإلكترونية والتقليل من التعامل النقدي
«الكاش».
ظاهرة عالمية

عصام خليفة
وقال المحلل الاقتصادي عصام خليفة إن الاقتصاد الخفـي يعتبر من الظواهر
التي تشترك فيها كل دول العالم، فجرائم السرقة والنصب والاحتيال
والابتزاز وغسل الأموال والتستر التجاري والغش التجاري وجرائم التهرب
الضريبـي والتحايل على القوانين والإجراءات الح
وبيَّن خليفة أن للاقتصاد الخفي عديداً من المسميات، منها اقتصاد الظل
والاقتصاد الأسود والاقتصاد غير المرئي والاقتصاد الثاني، وهو يعد من
الظواهر المعقدة التـي تضم كثيراً من الجوانب المختلفة والمتشابكة التـي
لا يمكن اكتشافها بسهولة. وتعتبر جميع المعاملات الاقتصادية التـي لا
يتم تسجيلها ضمن حسابات الناتج القومـي من الاقتصاد الخفي، وفـي بعض
الحالات تنمو معدلات الاقتصاد الخفي بنسبة أكثر من الاقتصاديات الرسمية
ما يؤثر عليها سلبياً، خاصة فيما يتعلق بالإحصائيات الرسمية للدخل القومي
والنمو الاقتصادي ومعدلات التضخم والبطالة وغيرها من الإحصائيات الرسمية،
لافتاً إلى أن الاقتصاد الخفي يحقق إيرادات ومكاسب كبيرة لفئة من الناس
تقدر بملـيارات الريالات، ولكن على حساب الدخل القومي، كما يؤدي إلى آثار
اجتماعية سيئة جداً، من أبرزها زيادة الغـني غِنى وزيادة الفقير فقراً كما
يسبب سوء توزيع لـلموارد بين الناس.
فتش عن الفساد!
وأضاف أن من أبرز أسباب الاقتصاد الخفي ارتفاع نسبة الفساد الأخلاقي
والإداري والبيروقراطية والتعقيد في القطاعات الحكومية والخاصة، وسوء تأويل
وتفسير القانونيـين، وارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض دخل الفرد، وعدم
الرضا الوظيفي، وارتفاع نسبة البطالة، وعدم فاعـلية الأجهزة الرقابية في
كشف العاملين في الاقتصاد الخفي، إما بسبب الاتكالية أو لقلة الإمكانات
المالية والبشرية. وقال إن عمليات غسيل الأول تدخل في نطاق الاقتصاد
الخفي، ويلجأ إليها العاملون في تجارة المخدرات والحاصلون على أموال بطريقة
غير نظامية لإخفاء المصدر الحقيقي للدخل غير المشروع ومحاولة إضفاء
الشرعية على الدخل الذي تحقق، وإظهاره كما لو كان ناتجاً من أنشطة مشروعة.
وأضاف أن عملية غسيل الأموال تمر بعديد من المراحل تتمثل في إدخال الأموال
المكتسبة من الأنشطة غير المشروعة في الدورة المالية، عن طريق
نقل
تلك الأموال وتجميعها وتوضيبها في أماكن مدروسة تمهيداً لشرعنتها باستخدام
آلية معينـة تتمثل فـي استبدال تلك الأموال غير الشرعية بأشكال أخرى من
الأموال عن طريق الكازينوهات، والمطاعم، والعقارات، ومحطات الوقود والسوبر
ماركت، وتتصف هذه المرحلة بأنها الأكثر ضعفاً وخطراً. كما تتصف بأنها
تستغرق بعض الوقت وتتصف أيضاً بأن حجم السيولة فيها ضخم جداً، وعملية
التمويه أو تكديس الأموال وإخفاء مصدرها الحقيقي عن طريق إبعاد الأموال من
مكانها إلى دولة أخرى أو مكان آخر مثلاً مع التركيز على ضرورة اختيار الدول
التي لا تملك قوانين متشددة وأنظمتها المالية والمصرفية بها تساهل بعض
الشـيء، وتعدُّ هذه المرحلة أكثر أماناً وأقل خطراً من سابقتها، كما أنها
تحتاج وتعتمد على تواطؤ بعض الأفراد والمـؤسسات، وعن طريق الإدماج أو
المزج، وفـي هذه المرحلة تتم شرعنة الأموال بـإظهارها كأنها شرعية على
الرغم من أنها أموال قذرة ويتم ذلك عبر استخدام تقنيات متطورة عن طريق
إعادة توظيف واستثمار الأموال وإدخالها ضمن الدورة الاقتصادية، وتمتاز هذه
المرحلة عن سابقتها بأنها أكثر أماناً وأقل خطراً ومن الصعب اكتشافها.
تداعيات غسيل الأموال
وأفاد خليفة بأن حجم الأموال المغسولة سنوياً يتراوح بين 3-5% من إجمالي
الناتج العالمي، وفقاً لـتقارير وإحصاءات الهيئات الدولية، مشيراً إلى أن
لعملية غسيل الأموال آثاراً اقتصادية سلبية على الاقتصاد، منها تهريب جزء
من الدخل القومـي إلى الخارج، ما يسبب عجزاً فـي ميزان المدفوعات ويعرض
المؤسسات المالية التـي يتم استخدامها للانهيار بعد اكتشافها أو بمجرد
الاشتباه فيها، وتهديد سلامة واستقرار النظام المالي والمصرفـي. كما يؤدي
ذلك إلى إرباك
عمل
البورصات والأسواق المالية نتيجة التعامل غير المنطقـي أي غير الرشيد فـي
شراء وبيع الأصول المالية لمجرد إضفاء المشروعية على تلك الأموال.
خطورة التستر التجاري
وأوضح خليفة أن ظاهرة التستر التجاري تعد إحدى ظواهر الاقتصاد الخفي
وهي من الجرائم الخطيرة، وهي ليست بالجديدة في السوق السعودي، بل تعد حصيلة
طبيعية لانفتاح السوق تجارياً واقتصادياً على دول العالم. ويعد التستر
التجاري من الجرائم الاقتصادية وذلك لأن آثاره تلحق أضراراً واسعة
بالقطاعين الخاص والعام، وقبلهما وبعدهما بشباب يبحث عن فرص
عمل
هنا وهناك ولم يجدها. ورغم صدور فتوى حرمت التستر بمختلف أشكاله إضافة إلى
العقوبات القوية المفروضة في مواجهته، فلم ينجح ذلك في الحد من هذه
التجاوزات، التي تفشت في القطاع التجاري والأعمال الخدمية بشكل غير مسبوق
ظهرت مساوئها حالياً وستظهر بدرجة أشد في السنوات المقبلة.
تحويلات غير رسمية
وأضاف خليفة قائلاً إن ظاهرة التستر التجاري تستنزف الموارد المالية للبلاد وتحولها للخارج، حيث قدرت
دراسة
صادرة من صندوق النقد الدولي، بأنه قد تم في المملكة تحويل 194 مليار
دولار، أي ما يقارب 727.5 مليار ريال خلال الفترة من 2000 ـ 2010 م،
بمعدل سنوي يقدر بنحو 72.75 مليار ريال، هذا وفق الإحصاء الرسمي للأموال
الخارجة، ولا نعلم كم هي الأموال التي تخرج بطرق غير نظامية ولكنها تقدر
بمليارات الريالات سنوياً. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل حجم
التحويلات الرسمية الخارجية هذا العام إلى 100 مليار ريال ويزيد نتيجة
لارتفاع مستوى الإنفاق الحكومي والدخل القومي، كما يتوقع أن تصل حجم
التحويلات غير الرسمية للخارج إلى 330 مليار ريال في ظل وجود أكثر من عشرة
ملايين عامل وافد تتم معظم تحويلاتهم للخارج عبر مكاتب الحوالات
المالية غير النظامية للعمالة الوافدة التي تنتشر في الشوارع والأحياء، ما
يعطي دلالة على وجود اقتصاد خفي يجب محاربته. واعتبر خليفة أن هذه الأرقام
من التحويلات مخيفة وخطرة، مشيراً إلى أنها ليست مخفية عن المسؤولين في
وزارة المالية والتجارة وكل من له علاقة بهذه التحويلات. ومع الأسف
الشديد فهي في تزايد مستمر والخاسر الأكبر من هذه الظاهرة الاقتصاد الوطني
والمواطنون.
ألف حالة تستر سنوياً
وكشف خليفة عن اتساع شريحة المواطنين من محدودي الدخل, الذين يملكون
رخصاً تجارية دون أن يكونوا شركاء فعليين في التجارة أو في الأعمال
الخدمية, بل سلمت للوافدين لممارسة الأنشطة التجارية لحسابهم بطرق غير
نظامية باسم المواطنين مقابل عائد مادي يسلم للمواطنين يغد دخلاً إضافياً
لهم. وأشار إلى أنه يتم ضبط سنوياً أكثر من 1000 حالة تستر تجاري معظمها في
مجال البناء والمقاولات بنسبة 40% تليها حلات التستر في قطاع السلع
والمواد الاستهلاكية والغذائية بنسبة 35%, ثم أعمال المهن المختلفة, أما
أكبر نسبة من العمالة المشتبه فيها في ممارسة التستر التجاري فهي العمالة
الآسيوية المتمثلة في الجنسية البنغالية والهندية والباكستانية بنسبة 70%,
ثم تليها العمالة العربية والمتمثلة في الجنسيات اليمنية والمصرية
والسورية.
التصحيح سيوقف «النزف»!
وتوقع خليفة أن تسهم الحملة التصحيحية لأوضاع العمالة غير النظامية التي
تجري الآن، في الحد من حجم الاقتصاد الخفي والتستر التجاري في البلاد
خلال السنوات المقبلة، الذي يعتمد على جرائم التهرب الضريبي والتحايل على
القوانين والإجراءات الحكومية لممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة،
بالإضافة إلى جرائم السرقة والنصب والاحتيال والغش التجاري والابتزاز،
وغيرها من الجرائم ذات الدوافع الاقتصادية. وأضاف أن ترحيل العمالة غير
الشرعية سيحفظ للمملكة قدراً كبيراً من رأس المال المستنزف في التحويل
للخارج، وعوضاً عن ذلك سيتم الدفع بتلك الأموال رواتب للعمال السعوديين
الجدد، وهو ما يسمح بتحسين مستوى المعيشة وزيادة معدلات الادخار والإنفاق
الداخلي، دافعاً الاقتصاد السعودي إلى النمو بفعل حركة السوق الداخلية.
كما أن تصحيح الأوضاع سيسهم في الحد من مستوى البطالة، حيث لا يتجاوز عدد
العاملين السعودييـن في القطاع الخاص 15% من إجمالي العاملين فيه، ومن
المتوقع انخفاض نسبة البطالة بعد مغادرة العمالة الوافدة غير النظامية.
فرص العلاج متاحة
وحول طرق العلاج، قال خليفة: لكي تتم معالجة الاقتصاد الخفي بأشكاله
وأنواعه لا بد من الاعتراف بخطورته وأضراره السلبية على الوطن والمجتمع،
وبالتالي يجب أن يتفاعل معها أعضاء المجتمع من مسؤولين وأفراد. وتشترك جميع
الوزارات وفي مقدمتها وزارات الداخلية والمالية والتجارة والعمل وغيرها من
الأجهزة المعنية في هذه المسؤولية، كذلك من الضروري أن يتم إعداد دراسات
استراتيجية يتم من خلالها التعرف على حجم الاقتصاد الخفي ومعرفة أضراره
وسلبياته والآليات المطبقة حالياً في التعامل معه، ومن ثم القيام بتقديم
تصورات ومقترحات لآليات جديدة لتلافي السلبيات القائمة في الآليات
الحالية. وقال إن لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية دوراً توعوياً مهماً
في توضيح أخطار الاقتصاد الخفي، ويجب تقديم مكافآت مالية مغرية للمراقبين
وللأشخاص الذين يبلغون عن اكتشاف حالات للاقتصاد الخفي من مبدأ التشجيع،
ويجب ألا تقتصر العقوبات لمَنْ يتم اكتشافه على الجانب المادي فقط، بل
تتدرج في مراحلها إلى أن تصل إلى حد السجن والتشهير.
على طاولة «الشورى»

د.فهد بن جمعة
من جانبه، قال عضو مجلس الشورى والمحلل الاقتصادي الدكتور فهد بن جمعة
إنه تقدم بمقترح لمجلس الشورى لوضع نظام للاقتصاد الخفي وتمت الموافقة عليه
من قبل رئيس مجلس الشورى، ومطروح حالياً للتصويت من قبل اللجان المختصة في
المجلس، وسيتم الإعلان عنه قريباً، مضيفاً أنه عكف على تقديم المقترح
لمجلس الشورى لأهمية الموضوع، حيث تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن حجم
الاقتصاد الخفي يقدر بنحو 18% سنوياً من حجم الناتج المحلي للمملكة. وقال
كلفنا الاقتصاد الخفي لعام 2013 ما قيمته 330 مليار ريال، وأتوقع أن يصل في
نهاية العام إلى 400 مليار ريال. ولفت إلى أن الاقتصاد الخفي أحدث تشوهات
في الاقتصاد الحقيقي للمملكة من خلال عدم ظهور الإحصاءات الحقيقية لاقتصاد
المملكة، مشيراً إلى أن الاقتصاد الخفي لم يقتصر على الأجانب، وإنما أيضاً
من السعوديين الذين يخفون استثماراتهم من خلال عمليات التستر التي تعادل ما
يقارب 60% من عمليات الاقتصاد الخفي. وطالب ابن جمعة بأن يتم التقليل من
السيولة النقدية للاقتصاد «الكاش» والاعتماد على بطاقات الدفع الإلكترونية
من خلال الشبكة.
سجل معنا بالضغط هنا