وانتقل الاقتصاد العالمي إلى مرحلة النمو المتباطئ، حيث حققت الولايات الأمريكية،/
صادياً بنسبة 3.5 بالمائة، 0.7
بالمائة، 0.3 بالمائة، 8.9 بالمائة على التوالي .. لكن ما زالت تداعيات هذه الأزمة
مستمرة ولكن بدرجة من التأثير المتفاوتة من بلد إلى آخر، بناء على المحفزات التي
يقدمها كل بلد لاقتصاده وعلى السياسات النقدية والمالية المتبعة من زيادة الإنفاق
وتخفيض أسعار الفائدة إلى مستويات متدنية، كما هو في السعودية التي خفّضت سعر إعادة
الشراء من 5.5 بالمائة إلى 2 بالمائة وسعر إعادة الشراء العكسي من 5 بالمائة إلى
0.25 بالمائة ونسبة الاحتياطي القانوني من 13 بالمائة إلى 7 بالمائة من اجل دعم
النمو الاقتصادي وتوفير السيولة، بعد أن كانت تتبع سياسات انكماشية في بداية عام
2008 لكبح جماح التضخم الذي وصل إلى 9.9 بالمائة ليصيح الآن عند مستوى 4.4
بالمائة.. وهذا لا يتنافى مع مدى تأثير الأزمة على الاقتصاد السعودي من خلال هبوط
أسعار النفط العربي الخفيف من متوسط 95 دولارا في 2008م إلى متوسط 58.48 دولار في
2009م، مما خلق فائضا في معروض النفط وهبوطا في الطلب العالمي عليه. إلا أن بعض
المؤشرات الاقتصادية بدأت تعطي إشارات بتعافي الاقتصاد العالمي من خلال نمو الأسواق
المالية الذي يسبق انتعاش الاقتصاد بعدة شهور، حيث نمت البورصات الأمريكية بأكثر من
54 بالمائة، مما يشير إلى بداية تعافي الاقتصاد الأمريكي بشكل عام والصين والهند
بشكل خاص، إلا أن الاقتصاد العالمي قد تعرّض إلى انكماش في 2008م والنصف الأول من
2009م، لكن من المتوقع أن يشهد العالم تباطؤا في نموه خلال 2010م، حيث توقّع صندوق
النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 1.1 بالمائة في هذا العام وان ينمو
بنسبة 2.9 بالمائة في 2010م.
فما زالت الولايات الأمريكية أكبر اقتصاد في
العالم تعاني من معدل البطالة الذي وصل إلى 10.2بالمائة، رغم تراجعه الشهر الماضي
إلى 10 بالمائة، مما يشير إلى أن نموها الاقتصادي سوف يتباطأ مع ارتفاع معدل
البطالة، مما سوف يكون له أثر سلبي على استهلاكها من النفط في العام القادم.
إن
هذه المقدمة تقودنا إلى مدى تأثير هبوط أسعار النفط العالمية على الاقتصاد السعودي
وبالتحديد على الميزانية العامة للدولة.. بعد أن تسببت الازمة الاقتصادية العالمية
في تدهور نمو الإنتاج الصناعي في الدول المستهلكة للنفط، مما أدى إلى تناقص في
الطلب العالمي على النفط المصدر الرئيس الذي يغذي الميزانية السعودية بما يزيد على
89 بالمائة من الموارد المالية بعد أن هبطت أسعار النفط بنسبة 43 بالمائة تقريباً
مقارنة بمتوسط أسعار 2008م، مما مارس ضغوطا على منظمة الأوبك بأن تخفض إنتاجها من
أجل المحافظة على استقرار أسعار النفط في نطاق الأسعار المستهدفة ما بين 75-80
دولارا للبرميل. إن انعكاسات استقرار أسعار النفط عند ذلك النطاق سوف يكون له أثر
إيجابي على دخل الدولة وميزانيتها في العام القادم وعلى استثماراتها في تطوير
وتوسيع طاقتها الإنتاجية من النفط التي من المتوقع أن تصل إلى 12.5 مليون برميل
يومياً.. إلا أن السؤال المطروح: ما مدى تأثير أسعار النفط على دخل السعودي وعلى
أداء ميزانيتها العامة وقدرتها على جذب الاستثمار من خلال تغيّر حجم الإنفاق
الحكومي وما قد يتسبب في عجز في الميزانية القادمة في ظل تدهور قيمة الدولار مقابل
العملات الأخرى وبقاء أسعار النفط في نطاق 70 دولارا دون أن يتغيّر إنتاجها؟
علما بأن القطاع المالي ما زال في حالة جيدة وقد جنّبته السياسات النقدية
المحافظة أخطار الأزمة المالية العالمية، رغم أن البنوك السعودية ما زالت تواجه
مخاطر الديون المتعثرة وانخفاض نسبة الإقراض إلى الودائع إلى 81.89 بالمائة مقارنة
مع نسب بنوك دول مجلس التعاون الخليجي التي تزيد عنها بأكثر من 20 بالمائة.
كما
أوضح تقرير مؤسسة النقد السعودية أن رصيد الأصول الأجنبية الرسمية الصافية قد انخفض
من 1.541 تريليون ريال في الربع الأول من العام الحالي إلى 1.427 تريليون ريال في
نهاية الربع الثالث، أي بانخفاض قدره 114 مليار ريال تقريباً، لكن ما زال ميزان
المدفوعات في وضع جيد.
هكذا سوف تكون نهاية هذا العقد مشهدا للتحولات الفاعلة في
وضع الاستراتيجيات الاقتصادية وزيادة فعاليتها من اجل تحقيق نمو اقتصادي حقيقي
وإيرادات للدولة غير نفطية في إطار تنويع مصادر الدخل التي تحافظ على استقرار
الاقتصاد وقت الأزمات من اجل استمرارية خطط التنمية الاقتصادية من دون أن تتعثر
المشاريع الحكومية والخاصة التي تربط بين أجزاء الاقتصاد الكلي والجزئي في ظل رؤية
واضحة وواقعية.. وهذا يتطلب رفع كفاءة استخدام رأس المال وهيكلة القطاعات
الاقتصادية وترتيب الأولويات من أجل درء المخاطر وتجاوز أي عجز محتمل في الميزانية
العامة وتقليص الدين العام إلى اقل مما كان عليه في عام 2009 إلى ما دون 237 مليار
ريال.
وهنا سوف أقوم بعمل تحليل تأثير أسعار النفط على الميزانية القادمة بشكل
موضوعي في المديين القصير والطويل مع مقارنة بعض النقاط الهامة تاريخياً في سياق
ذلك الحديث.
الطلب العالمي:
إن ارتفاعات الأسعار التي حدثت خلال هذا العام لا
تدعمها عوامل السوق من عرض وطلب، ولكنها تتحرك باتجاه معاكس لقيمة صرف الدولار
مقابل العملات الأخرى، وإيجابياً مع التفاؤل بأن الاقتصاد العالمي بشكل عام
والاقتصاد الأمريكي بشكل خاص سوف يتحسن في اتجاه تحسن مؤشرات البورصات الأمريكية
والعالمية .. لكن أسعار النفط في العقود الآجلة تشير إلى أن الأسعار في 2010م سوف
تتراوح ما بين 76 و83 دولارا للبرميل بينما سوف تكون بين 84 و87 دولارا خلال عام
2011م تحت فرضية أن إمدادات النفط سوف تبقى على ما هي عليه، لكن إذا ما غيّرت
الأوبك من إنتاجها سواء كان صعوداً أو هبوطاً لكي تحافظ على نطاق الأسعار التي
تستهدفها ما بين 75 و80 دولارا، فإن عليها أن تراعى ردة فعل الدول المنتجة خارج
الأوبك التي سوف تستمر في انفتاحها عند أقصى طاقة ممكنة لها، مما قد يحدّ من ارتفاع
الأسعار أو تدهورها.. فقد توقعت الأوبك أن يرتفع الطلب العالمي 0.9 بالمائة إلى
85.13 (م.ب.ي) في 2010، ومعظم هذه الارتفاعات سوف تأتي من الصين بنسبة 3.7 بالمائة،
الشرق الأوسط بنسبة 3.34 بالمائة، غرب أوروبا بنسبة 1.25 بالمائة، وفي نفس الاتجاه
توقّعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يكون الطلب أعلى طفيفاًً إلى 85.22
(م.ب.ي)، لكن هذه التوقعات اقل من من توقعات وكالة الطاقة الدولية التي توقعت أن
يرتفع الطلب العالمي 1.7 بالمائة أو 1.17 (م.ب.ي) إلى 86.2 (م.ب.ي) في 2010،
مدعوماً بانتعاش الطلب في الدول النامية، حيث توقعت أن ينمو الطلب في المحيط
الآسيوي من 21.40 (م.ب.ي) في 2001م إلى 25.93 (م.ب.ي) في 2010م، وفي الصين بالتحديد
سوف ينمو الطلب 7 بالمائة إلى 0.4 (م.ب.ي) في العام القدم.
كما توقّعت الأوبك
ايضاً أن يستمر نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.9 بالمائة في 2010، وبشكل كبير في
الصين الذي سوف يشهد نمواً اقتصادياً بنسبة 8.5 بالمائة في نفس العام .. فلا شك في
أن انتعاش الاقتصاد العالمي سوف يكون له أثر ايجابي على ارتفاع استهلاك النفط
وزيادة أسعاره، لكن ما زال مخزون النفط العالمي مرتفعاً، وكذلك دستليت (الديزل
ووقود التدفئة) مرتفعاً أكثر من المتوسط، مما سوف يقلّص من طاقة المصافي الإنتاجية
ومن مدخلاتها النفطية، مما سوف ينعكس سلبياً على أسعار النفط خلال موسم الشتاء
القادم في الولايات الأمريكية. والرسم البياني التالي يوضح أن الطلب على نفط الاوبك
سوف يكون 34.3 (م.ب.ي) في 2010م، أي أعلى من عام 2009م بمقدار 600 (أ.ب.ي)، حيث إن
ذلك الطلب عبارة عن الطلب العالمي مطروحاً منه الطلب على دول خارج الأوبك. وهذا
الطلب لا يمثل الإنتاج الفعلي لأوبك التي تخفض إنتاجها بهدف تحقيق مستوى من الأسعار
مربح لها، حيث إن السقف الأعلى لدول الأوبك بدون العراق يعادل 24.845 (م.ب.ي)، رغم
أن إنتاجها الفعلي يقارب 28.6 (م.ب.ي)، إذا ما أضفنا العراق إليها.
المؤشرات
النفطية والاقتصادية
إن معظم دخل الدولة السعودية يأتي من النفط مما يجعل ارتفاع
أسعاره عاملا أساسيا في تحديد نطاق الفائض/ العجز في ميزانيتها، فكلما ارتفعت أسعار
النفط زاد دخلها، ثم إنفاقها على مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما ينعكس
إيجابيا على معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، الذي يقيس تحسن أداء الاقتصاد
الإجمالي.. لذا سوف يؤدي تحسن أسعار النفط إلى زيادة الفائض في الميزانية أو على
الأقل تقليص حجم العجز وهذا يعتمد على مقدار ذلك التحسن وترشيد الإنفاق
الحكومي.
فقد حققت ميزانية 2009 التقديرية فائضاً، لو لم يرتفع الإنفاق الفعلي
إلى550 مليار ريال ليحول ذلك الفائض إلى عجز قدره 45 مليار ريال .. وهذا كان ناتجاً
عن ضعف أسعار النفط في الخمسة الشهور الأولى من هذا العام عند متوسط 42 دولارا، قبل
أن يرتفع هذا المتوسط إلى 69.4 دولار في الشهور المتبقية من السنة نفسها. كما واكب
هذا الانخفاض في الأسعار انخفاض في الإنتاج إلى 8.2 (م.ب.ي) في هذا العام بعد اتفاق
الأوبك في نوفمبر وديسمبر من العام الماضي بخفض إنتاجها بمقدار 4.2 (م.ب.ي). أما
الرسم البياني (معدل النمو) فإنه يوضح العلاقة الطردية بين تذبذب أسعار النفط
العربي الخفيف وإنتاج السعودية، فكلما تغيّرت الأسعار تغيّر الإنتاج تبعاً لذلك،
مما يدل على أن الأسعار تحدد قرارات الأوبك الإنتاجية التي تأتي متأخرة بعد ما
يتحدد اتجاه الأسعار بفترة زمنية لا تتجاوز عدة أسابيع في الحالات العادية وفورية
في الظروف غير العادية. وهذا يفسّر عدم قدرة المنظمة على السيطرة على الأسعار، رغم
أنها تستطيع التأثير عليها من خلال تخفيض إنتاجها، وإعطاء الدول المنتجة خارج
الأوبك فرصة رفع إنتاجها عند أقصى طاقاتها.. هنا تصبح الحاجة ملحّة على أهمية
التعاون بين جميع الدول المنتجة والمستهلكة في العالم لموازنة الكمية المعروضة مع
الكمية المطلوبة عند أسعار مقبولة لا تضعف الاستثمارات في قطاع النفط ولا تخلق أزمة
حقيقية أمام الطلب العالمي عندما يرتفع الطلب على النفط بنسبة اكبر من المعروض
ويتسبب في ارتفاع الأسعار إلى معدلات قياسية.
إن ارتفاع أسعار النفط يزيد معه
دخل الدولة، إذا ما كانت الزيادة في الأسعار أعلى من الزيادة في تخفيض الإنتاج
ليكون إجمالي الدخل أعلى مما سبق، ويتحول ذلك إلى فائض في الميزانية العامة، مما
سوف يعزز معدل النمو الاقتصادي، لأنهما مرتبطان مع بعضهما ارتباطاً قوياً كما هو
ملاحظ من اتجاه منحنيين: معدل النمو الاقتصاد الحقيقي والفائض/ العجز في الميزانية.
أما في حالة ارتفاع الأسعار بنسبة اقل بينما يبقى الإنتاج في حالة من الثبات
فإن إجمالي الدخل لن يكون أفضل من السابق بكثير، وهذا يجعل منحنى معدل النمو
الاقتصادي ينحدر إلى أسفل مع منحنى عجز الميزانية، مما يعني أن الميزانية العامة
التقديرية سوف تحقق عجزاً في العام القادم.
لكن التوقعات المستقبلية تشير إلى أن
أسعار النفط في العام القادم في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ونمو الطلب
العالمي على النفط ما بين 0.1 بالمائة إلى 1.7 بالمائة في العام القادم وبقاء متوسط
أسعار العقود المستقبلية الآجلة (نايمكس) في نطاق 77.5 دولار في 2010، وهى أسعار
أعلى من متوسط أسعار سلة الأوبك مستقبليا وأعلى من متوسط الأسعار للعام الحالي
بنسبة 25 بالمائة بما سوف يكون له تأثير إيجابي على الميزانية القادمة وكافٍ لتحقيق
فائض بها.
تحليل ميزانية 2010
تحرص الدولة على مواصلة النمو الاقتصادي وتحفيز
الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال زيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع
التنموية حتى في أوقات الأزمات، مثلما تعهّدت في اجتماع مجموعة العشرين بإنفاق 400
مليار دولار في السنوات الخمس القادمة .. فنلاحظ أن الدولة خصصت ما نسبته 25
بالمائة من ميزانيتها على التعليم والتدريب والمعرفة من اجل مستقبل أفضل نحو تطوير
القدرات البشرية الذي يقود إلى تنويع الاستثمارات والدخل. فنلاحظ في الرسم البياني
(الإيرادات والمصروفات) أن العلاقة بين الإيرادات والمصروفات الحكومية منذ بداية
2000م حتى نهاية عام 2009م، حيث حققت الميزانية عجزاً في عامي 2001م و2002م بعد
فائض في2000م واستمر ذلك الفائض في 2003م، ليصل إلى أعلى قمة له في 2008م مع ارتفاع
متواصل في الإنفاق حتى العام القادم رغم العجز في ميزانية 2009م .. فإنه من المتوقع
أن تحقق ميزانية 2010م فائضاً قدره 83 مليار ريال عند مستوى الإنفاق التقديري وأعلى
من الإيراد المقدر بمقدار 153 مليار ريال. كما انه من المتوقع أن يتحسن دخل الدولة
من المصادر غير النفطية في العام القادم مع تحسّن النمو الاقتصاد الحقيقي المتوقع
له أن يصل إلى 2.8ِ بالمائة. إن هذا التحليل يبرهن على مدى تأثر أي اقتصاد يعتمد
بشكل إجمالي على دخل السلعة الواحدة بالأزمات الاقتصادية العالمية، كما هو الحال في
اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط في بناء اقتصادها دون تنوع القاعدة الصناعية
بشكل كبير، مما يعزز القدرات الاقتصادية المحلية ويرفع من الصادرات بنسب مرتفعة
تتجاوز النسبة الحالية التي لا تتجاوز 12 بالمائة رغم ارتفاع نمو القطاع الخاص إلى
3 بالمائة هذا العام وتراجع نمو القطاع النفطي. وكنت قد تحدثت في مقال نشر العام
الماضي أن تحقق ميزانية 2009 عجزا قد يكون قريبا من 45 مليار ريال يتم سداده عن
طريق الاحتياطيات المالية لدى مؤسسة النقد العربية السعودية بعد أن تجاوز الاحتياطي
الأجنبي 1.7 تريليون. إن تقييم هذا العجز جاء بناء على استمرار أسعار النفط في نطاق
40 دولارا للبرميل وبعد أن خفضت المملكة إنتاجها إلى ما يقارب 8 ملايين برميل في
اليوم.
* عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية
* عضو الجمعية المالية
الأمريكية
fahedalajmi@saudi.net.sa
لا يوجد تعليقات