إعداد: د. فهد محمد بن جمعة
التاريخ: 20-09–2011م
أدت سنوات من القمع والقتل والركود
الاقتصادي إلى عدم الاستقرار السياسي الراهن في بلد عدد سكانه لا يتجاوز 22.5
مليون نسمه في 2010 طبقا لإحصائيات الأمم المتحدة . هذا ما عكسته انشقاقات الجيش
الحالية التي بدأت تتغلغل في أعماق الجيش السوري وأشتد حدتها في شهر سبتمبر
الحالي، مما يشير إلى توسع نطاق تلك الانشقاقات بين صفوف الجيش في أجواء يسودها
نوعا من التشاؤم وعدم قدرة النظام الحالي على تلبية نداءات المظاهرات الشعبية
المتصاعدة، مما ينبئ بقدوم خطر محدق يهدد الأمن والاستقرار السياسي في سوريا. إن
هذه الانشقاقات تتفاقم مع ظاهرة (الشبيحة) المدعومة من الحكومة لقمع وقتل المتظاهرين
في أبشع صورها، مما سيفكك أوصال المجتمع السوري مع احتمال قيام حرب أهليه تجلب
الويلات لهذا الشعب الذي تنهشه الذئاب من كل صوب. لقد أشارت بعض التقارير إن عدد
المنشقين تجاوز العشرة آلاف عسكري بين جنود، وصف ضباط، وضباط والأعداد في تزايد
مستمر مع انضمامها إلي حركة الضباط الأحرار للجيش السوري الحر الذي تتوزع كتائبه
جغرافيا في حمص، حيث تتواجد كتيبة خالد بن الوليد وهي أكبر الكتائب، فيما تتمركز
كتيبة معاوية بن أبي سفيان في دمشق، وكتيبة أبي عبيدة بن الجراح في ريفها، وكتيبة
حمزة الخطيب في إدلب وجبل الزاوية في حين أن القيادة تتمركز على الحدود الشمالية
لسوريا مع تركيا حيث الغابات الكثيفة التي تمنع الجيش السوري والأمن من الوصول
إليها. هذا الجيش الحر يهدف إلى تحريرِ سوريا من نظام
الأسد البائد معتمدا ميدانيا على ما يملكه من عتاد حربي وذلك بتوجيه ضربات ضد
عصابات الأمن والشبيحة على كافة الأراضي السورية. أما على الصعيد السياسي فيعمل
على توحيد صفوف المعارضة السورية في الداخل والخارج وحث الشعب السوري على الاستمرار
بالمظاهرات السلمية.
إن المظاهرات والاحتجاجات الشعبية
مؤشرا قويا على عدم الاستقرار السياسي الذي بدوره يؤثر على الاستقرار الاقتصادي
والاجتماعي لتصبح الدولة خاوية وغير قادرة على استعاده قواها ما يفقدها سياساتها
التي اعتادت على تطبيقها من أجل السيطرة وقيادة شعبها. فما زالت المظاهرات
والاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين متواصلة في العديد من المدن السورية، مما
أسفر عن سقوط العديد من الضحايا مما يؤكد على تدهور الوضع الذي أخذ منعطفا خطيرا
في تاريخ سوري الحديث مع احتمالية وصول الوضع إلى مرحلة رحيل بدون عودة. هذا ما
يؤكده موقف الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا ودول الخليج المنسق والبالغ الأهمية،
حيث أصدرت جامعة الدول العربية في 28 أغسطس الماضي بيانا دعت فيه سوريا للكف عن إراقة
الدماء واحترام حقوق الشعب السوري في الحياة الكريمة الآمنة وتطلعاته المشروعة نحو
تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستشعرها الشعب السوري.
هذا ولم يتبقى من أنصار سوريا إلا إيران والعراق وحزب الله (المثلث الشيعي) فقط
رغم موقف روسيا والصين المعارضان لرأي الدولي ولكنهما سيتراجعان مع تأزم الوضع كما
حدث في ثورة ليبيا.
إن الحل النهائي للوضع في سوريا
يعتمد على التغيرات الداخلية، ومدى شدة عزل المجتمع الدولي للأسد إلى النقطة التي
تفقده توازنه وثقة مؤيديه في نظامه الحالي. فلا شك إن سوريا بلد مهم وذا وزن ثقيل
في الشرق الأوسط وعدم استقراره له تأثير مهم على استقرار وأمن الشرق الأوسط وخطرا
على جميع الدول في المنطقة ولكن ثورة الشعوب لا تقهر ولا تواجه بالقتل والقمع بل
بالتجاوب مع المطالبات المشروعة نحو نظام ديمقراطي يحقق له العدل والمساواة. إن الأزمة
السورية قد تستمر لفترة أطول ولكنها في نهاية المطاف لن يكون هناك حلا سياسيا ما
عدا رحيل نظام الأسد بكامله والذي يسيطر على جيشا نظاميا يتجاوز عدده 267 ألف
جنديا واحتياطيا يتجاوز 245 جنديا طبقا للاستخبار الأمريكية ويتم إنفاق 5.9% من
إجمالي الناتج المحلي عليه أي ما يقارب 3.5 مليار دولار سنويا. إن اعتماد الأسد
حاليا على القوى الداخلية المتمثلة في الطائفة العلوية للسيطرة على الوضع في
البلاد لن يدوم طويلا ولن تمثل عقبه في طريق التدخل الخارجي كما يعتقد البعض من
ناحية تكتيكية مع المزيد من إراقة الدماء وكثافة المظاهرات التي بدأت تدعوا إلى
التدخل الدولي لحماية المظاهرات السلمية. فبطبيعة الحال إن مسار الأزمة في سوريا
سيتغير نحو الأسوأ مع اشتداد هجمات الكتائب وإصرار الفصائل المعارضة على تنحي
الأسد والقضاء على نظامه.
إن فرصة الحل السياسي آخذة في
التضاؤل وأصبحت جزءا من الماضي بعد رفض النظام الحالي القيام بخطوات فورية لوقف
قواته الأمنية من قتل المواطنين واتخاذ إجراءات حاسمة ضد أولئك المسؤولين عن العنف
في الدولة والبدء في حوار حقيقي ووطني شامل للكل. فان عدم الاستقرار السياسي في
سوريا جعل الأسد يواجه تحديا كبير وضغوط متزايدة من القوى الإقليمية والغربية لوقف
استخدامه لتكتيكات مميتة ضد المتظاهرين. هذا ما دفع المملكة العربية السعودية
وتركيا لاتخاذ موقفا صارما ضد آليته العسكرية في الآونة الأخيرة على دير الزور تزامنا
مع الموقف الأمريكي والأوربي وتحذيرات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. إن فرض
المزيد من العقوبات الاقتصادية والتجارية على البلد سيحد من قدرات النظام العسكرية
ويعجل من رحيل الأسد من الحكم وإلا انتهى الأمر بانقلاب عسكريا.
فهناك ثلاثة سيناريوهات محتمل
حدوثها مع تجدد المظاهرات واتساع نطاقها:
1.
الحل سياسي: أن يكون هناك توافق بين النظام والمعارضين على عمليات إصلاح جذريه
وانتخابات فوريه وهذا شبه مستحيل بعد رفض مبادرة الجامعة العربية والمزيد من
القتلى والمصابين مع ارتفاع حدة المظاهرات في أرجاء البلاد.
2. الحل الاقتصادي: المزيد من تضييق الخناق على
النظام وعزله اقتصاديا ودبلوماسيا سيضعف آليته العسكرية وهذا فعلا يجري على ارض
الواقع بعد أن تم حضر صادرات سوريا النفطية التي تمثل 26% من إجمالي الناتج المحلي.
3. الحل العسكري: دعم وتسليح الثوار لإدفاع عن
الشعب يرافقه مظاهرات شعبيه عارمة يوميا ويتم تحت حماية دولية بتوجيه ضربات جوية
منسقة على غرار نموذج ليبيا باختيار أهداف محددة ثم تدميرها لدعم الثوار وتمكينهم
من السيطرة ودحر النظام الحالي.
إن تلك الرؤية التحليلية لما سوف
يؤول إليه الوضع السوري من اقتلاع جذور نظام البعث لن يكون بدون محاولة النظام
الحالي بتصدير الإرهاب والعصابات إلى بعض الدول العربية والخليجية ولنا عبره في
التهديدات التي وجهتها الحكومة العراقية ضد الكويت لوقوف بناء ميناء مبارك في
أراضيه والتدخل الغير مباشر من حلفاء سوريا في البحرين واليمن ومصر ولبنان، مما
ينذر بخطورة هذه الأمر وعدم تجاهله بل يجب اتخاذ خطوات احترازية مشدده لمنع دخول
تلك العصابات وتسللها إلى هذه البلدان. إن الحكومة السورية وعلى مر السنين اعتادت
على العب في الخفاء من خلال سفاراتها كما حدث في دولة الكويت الشهر الماضي، حيث إنها
تستهدف اغتيال القادة السياسيين بطريقه مباشره أو غير مباشرة من أجل تحويل
الانتباه عن ما يدور داخليا إلى ما يحدث خارجيا من اجل كسب المزيد من الوقت وتحقيق
النظام مكاسب جديدة.