الثلاثاء 10 ذي القعدة 1436 هـ - 25 اغسطس 2015م - العدد 17228
المقال
يعتقد من لديه قصر نظر كما يسمى طبيا (اMyopia)، لا يستطيع رؤية
الأشياء البعيدة بكل وضوح، بينما يرى فقط الأشياء القريبة واضحة. وهذا
تماماً ينطبق على قصر النظر الاقتصادي، عندما يعتقد البعض بان الأوبك أو
السعودية ارتكبت خطأً بتعظيم حصتها السوقية النفطية، مما ادى الى تراجع
الاسعار بنسبة 49%. إنها نظرة قاصرة ومحصورة في المدى القصير، حيث لا تأخذ
في الحسبان تفاعل عوامل السوق التي تحدد افضل الأسعار على المدى الطويل
للأوبك والسعودية خاصة والمستهلكين.
ان علاج قصر النظر هذا يكمن في فهم ما كتبه (آدم أسمث- ثروة الأمم) بعدم
التدخل Laissez-faire في آلية السوق وحريته لكي تعمل ‹اليد الخفية› على
توازن العرض والطلب بناء على رغبات المستهلكين، مما يحقق افضل الاسعار
واستمراريتها. وهذا ما قامت به الاوبك بمنح اسواق النفط حريتها، بعد ما
اصبح التدخل في السوق غير مجدٍ كما كان سابقا على المدى الطويل. فعندما
ينتقل منحنى العرض يمينا، بينما كمية الطلب تتحرك على نفس المنحنى بخطى شبه
ثابته، فانه يشير الى فائض في المعروض مع استخدام التقنية المتطورة وتناقص
التكاليف، وهذا يحدث بنسب اكبر مع ارتفاع الاسعار التي تجعل من الانتاج
المكلف مربحا. لذا يكون تخفيض الاوبك لإنتاجها محدودا مع وجود منتجين
يستطيعون سد هذا النقص فورا بعد ان اصبح مجديا اقتصاديا لهم.
وهنا علينا ان نفرق بين ارتفاع الاسعار في العقود الآجلة القصيرة خلال
اشهر بسبب ضعف مرونة العرض والطلب وبطء السحب من المخزونات النفطية،
وارتفاعها في العقود المستقبلية الطويلة، حيث ان أسعار النفط خلافا لمعظم
المنتجات لا يحددها تماما العرض والطلب وثقة السوق اتجاه المنتج الفعلي بل
باتجاه عقود النفط الآجلة، التي يتم تداولها بشكل كبير من المضاربين، وتلعب
دوراً مهيمناً في تحديد الأسعار. كما ان الاتجاهات الدورية في سوق السلع
الأساسية قد تلعب أيضا دوراً هاما. وبغض النظر عن كيف يتم تحديد سعر النفط
في نهاية المطاف، استناداً إلى استخدامه كوقود أو في صناعة السلع
الاستهلاكية، إلا أن الطلب على النفط سيرتفع في المستقبل المنظور.
فيمكن تصحيح هذه النظره القاصرة بتتبع حركة الاسعار وتأثيرها على
مستويات الانتاج العالمية منذ بداية 2011م، حيث ارتفع متوسط سعر غرب تكساس
في يناير 2011 من 89.17 الى 106.2 دولارات لأعلى قمة له في مارس 2012،
بينما ارتفع متوسط سعر برنت من 123.3 الى 125.5 دولارا لأعلى قمة له خلال
نفس الفترة. ثم استمرت الاسعار شبه ثابتة لغرب تكساس 101 دولار بين يونيو
2013 وأغسطس 2014، اما برنت فكان 108 دولارات خلال نفس الفترة. ولم
يتناقص سعر غرب تكساس حتى اغسطس 2014 من 97 الى 76 دولارا، بينما تناقص
برنت من 102 الى 79 دولارا خلال نفس الفترة، قبل ان تخفض الاوبك انتاجها
في 27 نوفمبر 2014 (إدارة معلومات الطاقة الاميركية).
فكان التأثير المتأخر لارتفاع الأسعار (Lag effect) ان حفز الإنتاج
العالمي (خام، سوائل، مكثفات، زيادات المصافي) على مواصلة ارتفاعاته بمتوسط
87.2 مليون برميل يوميا في مايو 2011 الى 95 مليون برميل يوميا في اكتوبر
2014 ليصل الى 95.8 مليون برميل يوميا أعلى قمة له في ابريل 2015. وهنا
ارتكبت الأوبك خطأ كبيرا بترك الاسعار تتجاوز 80 دولارا، بينما هي ملتزمة
بسقف انتاج 30 مليون برميل يوميا، مما شجع المنتجين الاخرين على زيادة
انتاجهم المكلف.
هذا ما حدث قبل ان تقرر الأوبك تصحيح هذا الخطأ بتعظيم حصتها السوقية
التي سوف تتكلل بالنجاح على المدى الطويل ان لم يكن المتوسط ولكن بشيء من
الصبر والمرونة لفترة زمنية كافية لتصحيح السوق نفسه. فلم يعد خيار تخفيض
الإنتاج خياراً متاحاً بل انه خيار الأمس على حساب المستقبل.
رابط الخبر : http://www.alriyadh.com/1076133
هذا الخبر من موقع جريدة الرياض اليومية www.alriyadh.com