المقال
د. فهد محمد بن جمعة
اعتمد مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأسبوع الماضي برامج الخصخصة، التي تشمل القطاعات المدنية. وهذا يتفق مع ما ركز عليه "كينز" منذ عقود طويلة، بأن تبدأ الحكومة بتحديد برامج أعمالها التي ينبغي لها القيام بها، والتي لا ينبغي. ولهذا ميز "كينز" بين الخدمات الاجتماعية الفنية “Technically social services” والفردية الفنية“Technically individual”، حيث يمكن للخدمات الفردية الفنية أن يقدمها القطاع الخاص، بعكس الخدمات الاجتماعية الفنية التي لا يستطيع الأفراد توفيرها لأنفسهم وليس في مصالحهم القيام بذلك، إلا إذا وفرتها الحكومة لهم.
فما زالت سياسة عدم التدخل الحكومي "Laissez-Faire" في نظام السوق سواء بالتنظيم الذي يحد من قدرته، أو الامتيازات، أو التعريفات الجمركية والإعانات قائمة حتى عصرنا الحديث، ما يدعم جدولة أعمال الحكومة للخصخصة، ويعد أمرا حاسما. كما أن على الحكومة تعزيز شراكتها مع القطاع الخاص، من دون فرضية عدم التدخل في عصر "كينز" أو عصرنا؛ لأنها ليست القضية، حيث أكد في قوله الشهير إن "القطاع الخاص والمصالح الاجتماعية تتزامن دائماً". فرغم الاعتقاد السائد بأن بعض الخدمات الاجتماعية الفنية لا يمكن تخصيصها مثل الدفاع، إلا أن معظم الخدمات الحكومية المقدمة يمكن للقطاع الخاص توفيرها بأكثر كفاءة من القطاع العام، ومن الأفضل أن تدار من قبل تلك الشركات الأكثر نجاحا في مجال الأعمال.
إن خصخصة الشركات المملوكة للدولة تزايدت في جميع أنحاء العالم منذ الثمانينات، من أجل تخفيف الأعباء الإدارية على الحكومة، وتوفير سيولة نقدية مرة واحدة، لكنها بعد ذلك وفي الآونة الأخيرة تحولت الخصخصة إلى تخصيص الخدمات الحكومية، وهي الأكثر تنوعاً وتوسعا من بيع الممتلكات العامة لمؤسسات القطاع الخاص، إلى إنشاء شراكات مع القطاع الخاص للاستثمار في بناء أو صيانة الطرق السريعة أو الجسور أو سائر الأصول العامة مقابل أرباح طويلة الأجل، وعادة ما تحصل من خلال الرسوم، أو التعاقد مع شركات القطاع خاص لتقديم الخدمات "Outsourcing"، مثل عقود النظافة والنفايات أو إدارة البيانات.
ولعل من الأهمية بمكان أن نذكر بأن المؤسسات الخاصة قد تكون أكثر كفاءة من الحكومات، ولكن كفاءة الشركة الخاصة يجب أن تكون مرتفعة بما يكفي للتعويض عن ارتفاع تكاليف رأس المال المستثمر، وكذلك تكاليف إنفاذ ما يتضمنه العقد ومخاطر فشلها. وهنا، يجب أن نذكر أيضا بأن تكلفة تحقيق وفورات شركات القطاع الخاص يمكن أن تأتي على حساب الموظفين والموردين وعلى حساب الخدمات المقدمة، لذا على الشركات الالتزام والوفاء بمعايير معينة للخدمة والحفاظ على أسعار منخفضة في بيئة تنافسية تحمي مصالح المستهلك.