المقال
د. فهد محمد بن جمعة
يعتبر منحنى «بيفريدج» للاقتصادي ويـﻠيـم ﺑيـﻔﺮيـﺪج (William Beveridge)، من أهم الأدوات التحليلية التي تظهر وضعية الاقتصاد واقترابه من حالة التشغيل الكامل، حيث أنه يرسم العلاقة العكسية بين معدل البطالة ومعدل الوظائف الشاغرة (فائض الطلب) من خلال اﻟﻤﻄﺎﺑﻘﺔ المتزامنة بينهما، والذي يعكس مدى ﻓﻌﺎﻟيـﺔ ﺳﻮق اﻟﻌﻤﻞ وقدرته على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية التي تؤثر على توازن عرض العمالة والطلب عليها.
ويصبح ﺳﻮق اﻟﻌﻤﻞ أﻛﺜﺮ ﻓﺎﻋﻠيـﺔ عندما تعمل آلياته على المطابقة ﺑيـﻦ اﻟﻌﺎﻃﻠيـﻦ والوظائف المتاحة من خلال حرية تنقل اﻟﻘﻮى اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ، ﻓﻜﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮى اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ أﻛﺜﺮ اﺳﺘﻌﺪادا ﻟﻠتحرك ﻋﺒﺮ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤهـﻦ واﻟﻘﻄﺎﻋﺎت أو اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﻐﺮاﻓية، كلما أصبح ﻣﻞء اﻟﺸﻮاﻏﺮ ممكنا. كما أن استخدام تقنيات اﻟﺘﻮﻇيف يزيد من ﻓﻌﺎﻟيـﺔ هذه اﻟﻤﻄﺎﺑﻘﺔ من خلال إعلان الشركات للوظائف ﻋﺒﺮ الإﻧﺘﺮﻧﺖ وترشيح العمال اﻟﻤﺤﺘﻤﻠيـﻦ لهذه الوظائف وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ تمكن هذه التقنيات الباحثين ﻋﻦ ﻋﻤﻞ من اختيار ﻓﺮص اﻟﻌﻤﻞ الأكثر ملاءمة لهم.
أن منحنى بيفريدج نموذجا بسيط جدا ﻟﻠﺒﺤﺚ واﻟﻤﻄﺎﺑﻘﺔ في سوق اﻟﻌﻤﻞ ويـﺸﺮح ﺑﺼﻮرة جيدة اﻟﺘﺤﺮﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﻋﻠﻰ ﻃﻮل هذا المنحنى، ففي ﻣﺮﺣﻠﺔ ذروة دورة اﻷﻋﻤﺎل يـصبح ﻣﻌﺪل اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻣﻨﺨﻔﻀﺎ مع ارتفاع ﻣﻌﺪل اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻟﺸﺎﻏﺮة، أﻣﺎ إذا ما ﺗﺒﺎﻃﺄ نمو اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻓﺈن اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت تقوم ﺑﻌﺮض ﻋﺪد أﻗﻞ ﻣﻦ الوظائف، ﻣﻤﺎ يـﺆدي إﻟﻰ تراجع ﻣﻌﺪل اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ارتفاع ﻣﻌﺪل اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ.
هنا تبرز أهمية توفر المعلومات الدقيقة للعاطلين والوظائف الشاغرة، توزيع العمالة واﻟﻤهـﺎرات اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ، تدفقات العمالة الأجنبية، الدورات الاقتصادية، حيث إن هذه العوامل تحدد نسبة العاطلين والباحثين والخارجين من اﻟﺴﻮق في ﻛﻞ ﻓﺘﺮة زمنية. كما أن ﻋﻤﻠيـﺔ ﺑﺤﺚ اﻟﻌﻤﺎل ﻋﻦ وﻇﺎﺋﻒ وبحث أﺻﺤﺎب اﻷﻋﻤﺎل عن عمال، يأخذ وﻗﺘﺎ أطول للمطابقة ﺑيـﻦ عدد العاطلين والوظائف الشاغرة في ظل تقلبات الطلب وخروج بعض اﻟﻤﻨﺸﺂت من السوق، وبحث المنشآت الاﺧﺮى ﻋﻦ ﻋﻤﺎلة ﺟﺪيدة.
وبتطبيق منحنى «بيفريدج» على سوق العمل السعودي، نجد أن الفجوة بين عدد العاطلين السعوديين وعدد الوظائف الشاغرة كبيرة جدا، حيث يتم الإعلان عن عدد محدود من الوظائف وعلى فترات زمنية متباعدة، بينما وصل معدل البطالة السعودية إلى (12.8 %) في الربع الرابع من 2017م، مما يتطلب الحد من تدفق العمالة الأجنبية المرتفع جدا والمستمر من أجل تحقيق المطابقة بين معدل البطالة والوظائف الشاغرة لصالح العمالة السعودية، بل تقليص عرض العمالة الاجنبية في سوق العمل من خلال عملية الإحلال وﺧﻠﻖ وظائف ﺟﺪيـﺪة للسعوديين، مما يمكن السوق من امتصاص اﻟﻌﺪد اﻟكبير من العاطلين السعوديين والباحثين ﻋﻦ عمل.