الخميس 25 أغسطس 2011 - 15:07
لسعودية لها الكلمة الناهية اليوم في أسواق النفط الدولية، ويمكنها منفردة وبسرعة أن تزيد أو تخفّض إنتاجها النفطي لتلبية الحاجات العالمية. لكن هذه الصورة لن تستمرّ إلى الأبد، وقد بدأت السعودية تتهيأ اليوم للنهار حين لن يكفي مخزونها النفطي ليس فقط لتلبية الطلب العالمي، بل لتلبية حاجات سكانها إلى الطاقة الكهربائية وصناعاتها الناشئة.
ارتفاع الطلب على الكهرباء في المملكة مع النمو السكاني والصناعي
زاد عدد سكان السعودية ثلاثة أضعاف خلال السنوات الـ 34 الماضية، وفقاً لتقرير صادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في 2010، مع ارتفاع هذا العدد بنسبة 333% خلال الفترة الممتدة بين عامي 1975 و2009 ليبلغ 25 مليون نسمة، ما يجعل النمو السكاني في المملكة من الأسرع في العالم.
وترافقاً مع هذا النمو السكاني المستمر، ازداد استهلاك الكهرباء في السعودية بنسبة 6% سنوياً، بحيث بات استهلاك المواطن السعودي للطاقة الكهربائية (7700 كيلو واط) يساوي أربعة أضعاف معدّل الاستهلاك الفردي حول العالم (2500 كيلو واط)، بناءً على تقرير صادر عن قسم الأبحاث لدى The Economist ومحدّث في يناير 2011.
ولا ينحصر استهلاك الكهرباء على الأغراض المنزلية، بل من المتوقع أن يرتفع الطلب على الكهرباء من القطاع الصناعي بفضل القروض المرصودة بمليارات الدولارات، ومشاريع تطوير المدن الصناعية في جازان والجبيل وغيرها ضمن الاستراتيجية الوطنية الخمسية التي تطمح إلى أن يساهم القطاع الصناعي بنسبة 20% من الناتج الإجمالي المحلي غير النفطي بحلول العام 2025.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور فهد بن جمعه، عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية في مقابلته مع موقع AMEinfo: "إن حجم الإنتاج ما زال أقل من حجم الطلب، حيث إن الطلب على الكهرباء في السعودية ينمو بمعدل 9% سنوياً، ووصل إلى 40 جيجاواط في عام 2010، ويتوقع أن يبلغ 120 جيجاواط في عام 2032. وهذا يتطلب من شركة الكهرباء زيادة طاقة محطات التوليد الإنتاجية إلى 30 جيجاواط بتكلفة إجمالية تبلغ 300 مليار ريال، وذلك لتغطية الاحتياج الفعلي للكهرباء بحلول العام 2020".
التحوّل التدريجي من النفط إلى مصادر الطاقة البديلة
تواجه السعودية تحديات كثيرة في طريقها إلى تأمين موارد الكهرباء الكافية لسكانها وصناعاتها، يكمن أولها في ترشيد عبر قرار هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج برفع تعريفة الكهرباء على الصناعة، رغم احتجاج الصناعيين، مع العلم أن تكلفة الكهرباء لأكثر من 95 % من الصناعات في السعودية لا تصل إلى 3%، ما يجعلها الأقل في العالم العربي، حسب محافظ الهيئة.
ويكمن التحدي الثاني والأبرز في الابتعاد عن النفط كمادة أولية لتوليد الكهرباء. فقد اعتمدت السعودية تقليدياً على النفط في توليد الكهرباء، لكن بات من الملحّ بالنسبة إلى السعودية أن تبتعد عن هذا النهج التقليدي، أولاً لأنه من الأكثر جدوى اقتصادياً تصدير النفط للاستفادة من أسعاره المرتفعة، وثانياً لأن موارد النفط في السعودية تقلّ شيئاً فشئياً. فإن 90% من النفط السعودي يأتي من الحقول الخمس الأساسية التي بدأ تشغيلها منذ أكثر من 30 عاماً وفقاً لدراسة لسيمونز آند سيمونز، وأنه لم يتمّ اكتشاف أي حقول جديدة بهذا الحجم. وفي هذا الحين، يستمرّ الاستهلاك بالارتفاع، إذ تقدّر إتش إس بي سي أن 1.2 مليون برميل من النفط يُحرق يومياً لتوليد الكهرباء في 2011، أي ضعفي الكمية المسجّلة في 2010.
لذلك، بدأت المملكة تدرك ضرورة التوجه نحو مشاريع الطاقة الشمسية والنووية. ويؤكد الدكتور بن جمعه لـ AMEinfo: "إن السعودية تسعى إلى تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية من خلال الطاقة الشمسية وغيرها من المصادر غير الهيدروكربونية (غير النفطية) كخيارات إستراتيجية تهدف لتعزيز حجم الطاقة المولدة بنسبة 50% خلال السنوات العشر المقبلة".
فقد أوكلت شركة ألمانية بإنشاء أكبر محطة شمسية لتوليد الكهرباء (10 ميغاواط) في الظهران، كما تمّ توقيع اتفاقية مع شركة شوا شل سيسكو اليابانية والسعودية للكهرباء لإنشاء محطة شمسية لتوليد 500 كيلوواط من الكهرباء على جزيرة فرسان في البحر الأحمر.
ويتابع الدكتور بن جمعه قائلاً: "إن السعودية بدأت في تطوير الاستعمالات السلمية للطاقة النووية، بعد الاتفاق الثنائي بين المملكة وفرنسا على أسس لتعاون واسع في مجال تطبيق الطاقة النووية، ومن المتوقع استعمال الطاقة النووية لتوليد الكهرباء في إلـ 20 عام القادمة".
لكن لكلّ من مصدري الطاقة النظيفة تحدياتهما، كما يلحظه الدكتور بن جمعه محدثاً AMEinfo: "أبرز التحديات هي رأس المال المستثمر في موارد الطاقة البديلة مثل الغاز، والطاقة الشمسية والنووية، وكذلك الوقت الذي يبدأ فيه استعمال تلك البدائل.
فلن يبدأ إنتاج الغاز بدلاً عن النفط إلا بحلول عام 2014، أما الطاقة الشمسية فلن يوُلَّد 5 جيجاواط منها إلا بحلول عام 2020، وسيتطلب ذلك إنفاق 100 مليار دولار".
مشروع الربط الكهربائي الخليجي سيساهم في الاستجابة للطلب على الكهرباء
انطلقت في 2009 المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي المتوقع اكتماله في 2012، والقائم بين السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية السعودية والأردن. وحول فعالية المشروع في الاستجابة للطلب على الكهرباء في المملكة، يوضح الدكتور بن جمعه: "إن اكتمال المرحلة الثالثة منه في أبريل 2011 يغني السعودية بعد اليوم عن بناء محطات توليد الكهرباء، حيث تزيد قدرته الإجمالية على خمسة آلاف ميجاواط. وهو يوفر خدمات نقل الكهرباء بشكل مستدام، مع إمكانية مدّ إي دولة في حالة تعرضها لانقطاع التيار الكهربائي. ومن شأن ذلك أن يخفّض بنسبة كبيرة احتياطي قدرات التوليد من إجمالي الاحتياطي المطلوب لكل دولة".
ويعدّد الخبير الاقتصادي مزيداً من المزايا التي ستجنيها المملكة مع نظيراتها الخليجية بالربط الكهربائي "بتقليص كمية الغاز الطبيعي الذي تستهلكه دول مجلس التعاون بكميات كبيرة، ما يسمح بزيادة الكميات المتاحة للبيع وتحقيق الإيرادات الجيدة. حيث يمكن من خلال هذه السوق المشتركة لإنتاج الطاقة الكهربائية إبرام اتفاقيات ثنائية لبيع وشراء الكهرباء بشكل تجاري إذا ما أرادت الدول الخليجية فعل ذلك".
لكنه ينوّه أنه لا بد أن يواكب هذه العملية تقدم وتحسن في عملية النقل والتوزيع حتى لا يحدث تقطع في توصيل الكهرباء للمستخدمين خاصة في ذروة الاستهلاك.
وتوافقاً مع وجهة نظره، يؤكدّ الأكاديمي الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن الصنيع بحديثه لموقع AMEinfo قائلاً: "أتاح المشروع إمكانية تجارة الطاقة الكهربائية بين دول مجلس التعاون، فيمكن لأي دولة من دول المجلس شراء أو بيع الطاقة من دولة أخرى بمقابل نقدي، بعد الاتفاق على السعر بينهما، وحجز السعة المطلوبة لنقلها عبر الرابط الكهربائي"