2/16/2016

الرجيم الحكومي.. ضروري

الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ - 16 فبراير 2016م - العدد 17403

المقال


د. فهد محمد بن جمعة
    من الضروري بعض الأحيان أن تفقد الحكومة جزءا من وزنها الثقيل في فترة لاحقة ليخلصها من الشحوم والدهون الزائدة حتى ينخفض معدل الكلسترول في دمها وتعيش لفترة أطول وفي صحة اقتصادية دائمة تحقق لها أهدافها الطموحة، لذا تسعى أي حكومة إلى اتباع رجيم يحتوي على أفضل الاختيارات الاقتصادية لرفع كفاءة إنفاقها واستخدامها للموارد المتاحة بما يعظم إنتاجيتها، لذا تبدأ الجرعة الأولى بتقليص حجم الحكومة، بإلغاء الأجهزة الإدارية ضعيفة الأداء أو التي لا تضيف أي قيمة اقتصادية لأدائها أو التي ينتج عنها ازدواجية في أداء المهام. وهذا سوف يحد من البيروقراطية والإسراع في تنفيذ القرارات وترشيد الإنفاق العام من أجل مخرجات أكبر تخدم المؤشرات المستهدفة.
أما الجرعة الثانية فعبارة عن عملية جراحية ضرورية لشد الجسم والتخلص من الترهلات التي تعيق الأداء الحكومي، بتخصيص المهام التي عجزت عن أدائها بفعالية وكفاءة وذلك ببيع بعض أصولها إلى القطاع الخاص أو التعاقد معه لتنفيذ مهام محددة أو بالشراكة معه، وهذا سوف يحقق عددا من الأهداف المختلفة مثل: تناقص التكاليف إلى أدنى حد من خلال المنافسة بين مقدمي الخدمات المحتملين، خشية من فقدان عقودهم لصالح المنافسين الأكثر كفاءة، كما يمكن تحقيق اقتصاديات الحجم الكبير مع تناقص تكاليف العمالة والاستخدام الأفضل للتكنولوجيات والابتكارات أو ببساطة بطريقة مختلفة لإكمال هذه المهام.
هذا ما أكدته دراسة أجراها البنك الدولي مؤخرا على عدد من البلدان الغنية ذات الحكومات الصغيرة، بأنها تنمو أسرع من الحكومات الكبيرة التي يتجاوز إنفاقها 40% من إجمالي الناتج المحلي. وهذا يخالف الاعتقاد السائد بأن زيادة الإنفاق الحكومي سيوفر المزيد من فرص العمل ويرفع دخل الفرد أكثر من حكومة صغيرة تنفق أقل من 20%، وبما أنه مضى على تجربة النمو الاقتصادي العالمي أكثر من نصف قرن، فإنه يمكن مقارنة أداء بعض البلدان التي أخذت بنموذج الحكومة الكبيرة مع التي أخذت بنموذج الحكومة المصغرة.
فقد قارنت هذه الدراسة بين (10) بلدان غنية وذات اقتصاديات متنوعة وغير نفطية منها سنغافورة، وسويسرا، والولايات المتحدة ومدينة هونغ كونغ الصينية، لكن الملفت للنظر أن سنغافورة ومدينة هونغ كونغ كانتا فقيرتين جداً ولا تملك موارد طبيعية قبل 50 عاما، أما الآن، فيتمتع مواطنوها بمستويات معيشة أعلى وحياة عمرية أطول من مواطني الحكومات الكبيرة، هكذا احتلت سنغافورة المركز الثالث وهونغ كونغ المركز الرابع من حيث طول العمر، كما أنهما حققا قدرا كبيرا من الحرية الاقتصادية؛ لتحصل هونغ كونغ على المركز الأول وسنغافورة على المركز الثاني من بين 159 بلدا في 2012م، ووصل معدل البطالة فيهما إلى 3.1% و 2.1% على التوالي. رغم أنهما لم يحققا نجاحا من معونة خارجية أو من الإنفاق الحكومي الذي هو أقل من 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن البلدان الأخرى غير الغنية التي اختارت نموذج الحكومة المصغرة؛ ومنها تايوان وكوريا الجنوبية، وشيلي، حققت نموا اقتصاديا أسرع من منافسيها من الدول الأخرى، ليتمتع أغلبية مواطنيها بمستوى معيشي أعلى من الحكومات الكبيرة التي تجاوز إنفاقها 41% إلى 56%، كما شهدت هذه الحكومات الكبيرة بطالة ما بين 4% إلى 11% واحتلت مراتب بين 10 و40 في حرية السوق، ومنها أميركا وفرنسا التي وصلت بطالتهما إلى أكثر من 6% و 10% على التوالي.
فإنه بإمكاننا تقليص إنفاقنا الحكومي الكبير من 40% إلى إنفاق صغير لا يتجاوز 30% من إجمالي الناتج المحلي من أجل أداء اقتصادي أفضل مع ارتفاع كفاءة الإنفاق كيفيا وليس كميا والمزيد من الحرية الاقتصادية، بدلا من الإنفاق الكبير (السياسة المالية التوسعية) الذي لم ينوع اقتصادنا بالقدر المأمول ولم يخفض معدل البطالة البالغ 11.7% التي عززها التستر وكثرة العمالة الأجنبية التي صدّرت أكثر من 157 مليار ريال العام الماضي.

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...