1/31/2011

الربع الخالي نفط وعمالة

الأثنين 27 صفر 1432 هـ - 31 يناير 2011م - العدد 15561

المقال

الربع الخالي نفط وعمالة

د. فهد بن جمعة*
    في برنامج زيارتنا لأرامكو السعودية في الفترة ما بين 15-17 يناير الجاري، أقلعت بنا الطائرة في الساعة 11:45 صباحا من مطار الملك فهد في الدمام إلى حقل شيبة الذي يبعد 386 كيلو مترا من منفذ البطحاء ويتربع على احتياطي نفطي يزيد عن 19 مليار برميل وينتج 750 ألف برميل يوميا من خلال معامله الأربعة. هذا يجعل شركة أرامكو أكبر شركة تمتلك أكبر احتياطي نفطي مثبت في العالم يقدر بأكثر من 260 مليار برميل، بينما قدرتها الإنتاجية تصل إلى 12 مليون برميل يوميا ومازالت ارامكو تعزز قدراتها النفطية وتعوض بشكل مستديم ما يتم استهلاكه من خلال عمليات البحث والتنقيب المستمرة وبقدرات هائلة وخبرات متنوعة نقلتها من عملية الحفر الرأسي إلى الأفقي الأكثر كفاءة وفعالية منذ عدة سنوات.
إنها ارامكو التي حولت هذه الصحاري من جزيرة حقل الغوار إلى بحيرة شيبة معتمدة على استقلاليتها في صناعة قرارات الكشف والتنقيب عن النفط وإنتاجه وتسويقه بدون أن تشتت أفكارها في مشاريع اجتماعية بعيدة عن أهدافها الأساسية، ما يفقدها سر نجاحها الذي دام 75 عاما. لكن نجاحها يتركز بشكل رئيس على العنصر البشري الفاعل ذي الكفاءة الإنتاجية التي يمثل السعوديون 90% منها، حيث يتم تدريبهم وتأهيلهم بشكل مستمر لتعويض ما قد تفقده من عمالة مستقيلة أو متقاعدة.
هنا تأتي حكاية الخيمة الكبيرة ( تسمى واحة شيبة) التي تشرف على مجمع شيبة السكني وتقع بين كثبان الرمال على ارتفاع 200م وتستقبل كبار الشخصيات من وزراء وسفراء وشخصيات أخرى. فعندما تكون الشمس قاب قوسين أو أدنى من غروبها يتحول الخيال إلى حقيقة وتشعر بعظمة الصحراء الساكنة وكأنها تغرق في نوم عميق على كثبان تلك الرمال، بينما الخيمة لا تنام فبداخلها رجال يتناولون العشاء بعد عناء يوم طويل وآخرون في الحقل يعملون تحت أنواره التي تشكل نموذجا هندسيا لأعمال شركة ارامكو.
إن عظمة هذه الخيمة تتجلى في من بداخلها من شباب سعودي صغار في السن ولكن كبار في إنتاجيتهم، حيث وقف شاب سعودي أمامنا بكل ثقة ليقدم لنا شرحا تفصيليا عن حقل مشروع شيبة، هذا الشاب الذي ما كاد ينهي حديثه حتى بادره احد أعضاء الوفد بسؤاله عن العيش في هذه الصحراء، فكان جوابه انني ابن الصحراء ومازلت أعيش في قرية صغيرة فلا اشعر بأي غربة ولا عناء. هذا هو النموذج السعودي الذي نفتخر به مكافحا ومغتنما أي فرصة حتى ولو في الربع الخالي، حيث يقضي أسابيع في مجمع شيبة بعيدا عن أهله وأصحابه ولكنه يخطط لمستقبله وخدمة بلده. هكذا توجد عمالة كاملة في تلك الصحراء ولا توجد بطالة ( لا أرغب في أي عمل) كما في مدينة الرياض على سبيل المثال. هنا لا أتكلم عن المزايا التي تقدمها ارامكو لموظفيها وإنما أتكلم بالتحديد عن السعوديين الذين يعملون ويسكنون في مجمع شيبة السكني لأسابيع في صحراء الربع الخالي.
متى يقتدي شبابنا الذي يتظلمون من مرض البطالة بتلك النماذج المنتجة من اجل تحقيق طموحاتهم فكيف يكون لدينا بطالة نسبتها 10%، بينما لا يوجد لدينا السباك السعودي أو حتى الكهربائي مع ارتفاع دخليهما. متى نرى الإصرار والكفاح من كل سعودي يرغب في العمل حتى يحقق آماله في وظيفة مهنية أو إدارية.
عسى ألا ينزلق وزير العمل الجديد في متاهة تحديد الأجور عند 4 آلاف ريال فترتفع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات تذهل المواطن السعودي وتجعل الأغلبية أسوأ مما كانوا عليه ويوقع أصحاب التعليم والمهارات الدنيا في فخ البطالة المستديمة، وما الأجور عند حد أدنى من المهارة مع تدني إنتاجية العامل وضعف المنافسة في السوق إلا دعوة إلى التقاعس والإضرار بالعامل نفسه والمنشأة التي يعمل بها.

*عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية
* عضو الجمعية المالية الأمريكية

ليست هناك تعليقات:

ميزانية الإيرادات غير النفطية والأولويات

الثلاثاء 11 صفر 1447هـ 5 أغسطس 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة منذ إطلاق رؤية 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حققت الممل...