11/28/2010

إعادة تقييم قيمة الريال بدلا من التعويم

08-03-2008, 04:05 AM
د/ فهد محمد بن جمعة

مع إني لا أؤيد تعويم الريال كما نطق به رئيس البنك الفدرالي الأمريكي السابق قرينسبان في منتدى جدة الاقتصادي لكن لماذا انهالت عليه هذه الانتقادات وكأننا نقول إننا نعرف مشاكلنا أكثر من غيرنا ما قد يكون صحيحا ولكن لم نعمل شيئا أما إن سياستنا النقدية والمالية مغيبة أو انه تنقصنا الخبرات في ممارسة مثل تلك السياسات فدعونا نتعلم من هذا الرجل الذي تربع على قيادة البنك الفدرالي لأعظم اقتصاد في العالم, يمارس سياسات مالية ونقدية نشطة من اجل الربط بين الاقتصاد الجزئي والكلي في نموذج اقتصادي يتجاوب بشكل فاعل مع المتغيرات الاقتصادية الايجابية ويحمي اقتصادها من خطر الأزمات التي تحدث بين فتره وأخرى كما هو الحال مع أزمة الرهن العقاري ومحاولة تحريك الاقتصاد الأمريكي حتى يتجنب أسوأ الاحتمالات وهو الانكماش ثم الركود الاقتصادي لفترة طويلة. فعلينا أن ننظر إلى الجوانب الاقتصادية بكل دقة وواقعية وإذا ما كنا قادرين على تقليص معدل التضخم دون إلحاق الضرر بمعدل النمو الاقتصادي فأين سياستنا النقدية أو المالية الفاعلة لمواجة تلك القضايا التي تؤرقنا جميعا؟.

إننا نتبع سياسات تساعد على رفع معدلات التضخم من خلال زيادة عرض النقود التي تواكبه زيادة في الانفاق الحكومي, هل هذا هو الحل أو نحن فقط نجيد انتقاد الآخرين دون الإمعان في محتوى خطاباتهم واقتراحاتهم ونأخذها على محمل الجد لكبح جماح التضخم الذي يعكس جزء هام منه التضخم المستورد نتيجة لتدهور سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية في السوق العالمي.

دعونا نتذكر التاريخ عسى أن نجد ضالتنا في سياساتنا النقدية التي لم نستطع تسخيرها لصالحنا عندما تتشدد الأزمات الاقتصادية. ففي عام 1986 عندما وصلت أسعار النفط إلى ادنى مستوياتها متسببة في تفاقم عجز الميزانية العامة ما أدى إلى انخفاض الاحتياط الأجنبي وتدهور ميزان المدفوعات بادرة المملكة إلى تخفيض سعر صرف الريال في يونيو 1986 من 3.65 إلى 3.75 مقابل الدولار أو ما يوازي 2.7% في إشارة إلى السوق .إن انخفاض ميزان المدفوعات يعني إعادة تخفيض الريال. فمنذ تلك اللحظة ارتبط الريال بالدولار وبقي سعر صرفه عند 3.75 ريال بقصد المحافظة على استقرار الريال بشكل رئيسي والنظام المالي بشكل عام حتى لا تنجم عن ذلك مضاربة على الريال في سوق العملات تؤدي إلى تقلبات في المعاملات المالية ما يعرضها إلى مخاطرة اكبر قد تؤدي إلى أزمات مالية.

لكن استقرار الريال يعني استقرار الأسعار العامة عند قيمتها الحقيقية وتضييق الفجوة بين إجمالي الإنتاج والطلب الكلي فهل السياسة النقدية الحالية فعلا تحافظ على استقرار الاقتصاد السعودي في الأجل القصير والمتوسط ؟ الآن تجاوز معدل التضخم نسبة 7% وأصبح الريال السعودي فاقدا جزءا كبيرا من قوته الشرائية تبعا لتدهور قيمة الدولار الأمريكي الذي أصبح عاجزا عن مقاومة ارتفاع صرف العملات الأخرى مثل اليورو والجنيه الإسترليني ما أدى إلى تكوين فجوة بين القيمة الحقيقية لتلك السلع والخدمات التي نستوردها وقيمتها السوقية في صور التضخم المستورد ما انعكس سلبيا على رفاهية المواطن السعودية وزاد من تفاقم ارتفاع الأسعار يوما بعد يوم .

إن إعادة تقييم الريال وليس تعويمه أو ربطه بعملات أخرى في الأجل القصير والمتوسط سياسة تجاوزت استحقاقها إلى أن يعود الاقتصاد الأمريكي إلى قيادة الاقتصاد العالمي ويصبح الدولار عملة قوية في سعر صرفها الحقيقي.

فإن اعادة تقييم الريال في نظام سعر الصرف الثابت ان تعدل مؤسسة النقد قيمة الريال بالنسبة للعملات الاخرى, بينما في نظام سعر الصرف المعوم عوامل السوق هي التي تخلق التغييرات في قيمة العملة اما انخفاضا واما ارتفاعا.

لذا يتم إجراء إعادة تقييم الريال بإبلاغ البنك الأمريكي الفدرالي بأنه سوف تتم إعادة تقييم تسعير صرف الريال مقابل الدولار ثم يتم حساب تأثير تعديل قيمة الريال على الاحتياطات النقدية الاجنبية داخل الاقتصاد ومقارنة قيمتها السابقة قبل التعديل مع قيمتها بعد التعديل حتى تتم معرفة المكاسب أو الخسائر.

إن اعادة تقييم سعر صرف الريال يمكن أن يتم حسابه على أساس نسبة ما خسره مقابل متوسط سلة العملات الرئيسية ما يعطي الاقتصاد السعودي ثقة اكبر وعلى النقيض لن ينفر الاستثمارات الاجنبية بل سوف يجذب المزيد منها لأنه يعطيها أكثر أمانا ويقيها مخاطر الاستثمار والتضخم الذي ينعكس سلبيا على مستوى الأداء الاقتصادي ويحوله من اقتصاد حقيقي إلى اقتصاد متضخم ليس لعملته أي قيمة حقيقية.

إن إعادة تقييم الريال لن يلحق أي خسارة باحتياطات المملكة الاجنبية في المدى القصير والمتوسط لأنها تستثمر في الأجل الطويل على نقيض فك الريال عن الدولار.

بل على العكس رفع قيمة الريال يزيد من القيمة الحقيقية للريال حيث إننا بلد مستورد بشكل كبير ومن دول ليست عملتها الدولار. ناهيك إن التضخم المتصاعد والذي يتجاوز 3% يضر بالاقتصاد وينعكس سلبيا على الأداء الإنتاجي فيصبح العرض اقل بكثير من حجم الطلب الذي يتحول بدوره إلى طلب سلبي مع ارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية.

كاتب اقتصادي

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...