5/17/2012

من خبرتي


الفصل الثاني عشر
د. فهد محمد بن جمعه
من خبرتي
My ExperienceٍSome of

"التعامل مع الأشخاص قد يكون أكبر مشكلة تواجهها، خاصة إذا كنت صاحب عمل، نعم؛ وهذا أيضاً صحيح إذا كنت صاحبة منزل أو معمارياً أو مهندساً""
(Dale Carnegie, 1888-1950)  

عندما كنا أطفالاً وحتى في منتصف العشرينات من عمرنا كنا دائماً تحت سيطرة الوالدين والانضباط الإجباري، لذا كان الوالدان يعلموننا ماذا نعمل، ويتخذوا جميع القرارات لنا، أما في المدارس فان المدرسين يتحكمون في حياتنا، فنحن نذهب إلى المدارس غصباً عنا، ولا نستطيع أن نقول لوالدينا: إننا لا نرغب الذهاب إلى المدرسة، إلا إذا سقطنا في الفراش مرضى، هكذا يتحكم الوالدان بنا، وليس هذا تحريضاً، ولكن كنا نتصرف حسبما يرونه_وليس ما نراه_حتى أصبحنا مسيرين وغير مخيرين، فهم يأمروننا بعمل الواجب المدرسي، وإلا لن يشتروا تلك السيارة الجميلة، وإذا كانت درجاتنا ضعيفة فلن نحصل على شيء، بل يحرموننا حتى من السفر الرائع في عطلة الصيف، إننا مجبرون على ما نعمل طول هذه السنوات ولا خيار لنا، هل تتذكر كم قرار عملته طول حياتك المدرسية وفي 12 سنة من عمرك، أنا متأكد أنها قليلة.
أما في العالم المتقدم، عندما ينتهي الطالب من الثانوية العامة، فإن له الخيار أن يخرج من بيت والديه ويبدأ الدراسة الجامعية، وفي نفس الوقت يعمل لأول مرة في حياته، لكي يشعر_ولأول مره_بالحرية، لكن عندنا في السعودية لا حرية، بل تستمر الأوامر والانضباط الإجباري خلال الدراسة الجامعية، ومعظمنا لا يعمل خلال الدراسة الجامعية، إنها عاداتنا وتقاليدنا، فلا نتحرر في اتخاذ قراراتنا من سيطرة الوالدين، بل يستمر الوضع على ما هو عليه، وللأسف يستمر ذلك حتى بعد التخرج من الجامعة، وحتى الزواج، وإلى أن نحصل على عمل ونصبح مستقلين، إذا كانت لدينا الرغبة في تغيير حياتنا، فبمجرد حصولك على وظيفة ما؛ فإنها قد تكون مرحلة تحول في حياتك بالانتقال من مرحلة الحضانة وتعليمات الوالدين إلى مرحلة التقييد بتعليمات رئيسك في العمل، أي إنها مبادلة بين الانضباط الإجباري وأوامر الرئيس الذي يستطيع أن يبلغك يوماً ما بأنك مفصول بسبب تغيبك، أو أن أداءك في عملك متدنٍ طبقًا لتقرير الأداء الخاص بك، أو أنك منافس شرس فلا يرغب في بقائك، هنا سوف تسأل  نفسك إلى متى وأنت على تلك الحالة في التنقل بين وظيفة وأخرى كل شهر أو شهرين دون استقرار أو دخل مجزي, انه شيء يثير غضبك، ويجعلك تصر على بدء عملك بنفسك، لأنك ترغب أن تصبح رئيساً لنفسك ولا تخضع لأوامر أي رئيس بعد اليوم، وسوف تحقق دخلاً أفضل من راتبك سابقاً إذا كان عملك ناجحاً.
فعندما تمتلك عملك تصبح جميع القرارات بيدك، فتستطيع أن تواصل عمل اليوم، أو تقوم برحلة إلى البحر، إنها خياراتك، ولكن ذلك بمثابة انتقال من الانضباط الإجباري إلى ضبط نفسك بنفسك، فماذا تشعر الآن بعد شهر من ممارسة عملك، إنك فعلاً قلق لأنك سوف تتحمل نتائج قراراتك وأعمالك وتصبح مسؤولاً عن إدارتك، فإن أي قرار خاطئ قد يؤدي إلى خسارتك أو إفلاسك، إن الخروج من الانضباط الجبري الذي تعرضت له على مدى 12 سنة من عمرك يضعف قدرتك على التفكير واتخاذ القرارات الجيدة، بل قد تكون صدمة وعثرة في حياتك، إن هذا يذكرني عندما كنا أطفالاً لا يسمح لنا بالكلام بوجود الرجال الأكبر منا (اسكت يا ولد) مما انعكس علينا وعلي عندما كنت أعطي بعض المحاضرات في الجامعة التي كنت أدرس فيها، حيث كنت أشعر بالخجل الشديد، ويحمر وجهي، بينما الأمريكان يتكلمون بارتياح كامل، وكأنه شيء طبيعيي، إن عليك أن تعرف جيداً بأنه حان وقت تغيير بعض الأشياء داخل نفسك بعد ذلك العمر الطويل من التحكم في تفكيرك من قبل غيرك، كما أن عليك أن تفكر ليس فيما تعتقده مهماً فقط، بل وفيما تعتقد أنه غير مهم، وابتعد عن كل ما تم تلقينه لك وإجبارك على عمله، فلا تفكر من خلال أفكار غيرك، وإنما عليك أن تفكر من خلال نفسك، فابدأ بغض النظر عن الماضي، وعش لحاضرك، وركز على شخصيتك الحقيقة، فلست ذلك الشخص الذي يعتقد الغير أنه أنت، وإنما أنت الشخص الذي تعرفه، هكذا يتغير الأشخاص من حولنا، فعليك أن تتغير وتعيد تأهيل نفسك من جديد.
إن الأشخاص يبدؤون أعمالهم لأسباب مختلفة، ولكن جميعهم يتوقعون أن تكون أعمالهم ناجحة، ويحققوا عائداً على استثماراتهم، فعندما تقرر بدء عملك؛ فإنك سوف تسارع بالتحدث إلى أقرب الأشخاص عن خطة عملك، وفي العادة أول هؤلاء الأشخاص الذين سوف تسمعهم هما والداك، فأنت لا يمكن أن تشكك في حب والديك لك، وأنهما دائما، يبحثان عن الخير لك، ولكن العيب أن والديك سوف يحاولون حمايتك من نفسك، مما يؤدي إلى ضعف إرادتك، وعدم تحملك لأي مخاطرة مهما كانت، فإنك تتحدث إلى والديك أو أصدقائك لأنهم فقط يعرفونك شخصياً وليس لأنهم يعرفون عملك، فعندما ترغب أن تكون ماهراً في البيع فإنك لا ترغب أن تسأل البائع كيف تعمل ذلك، ولكنك ترغب أن تعمل معه وتراقبه كيف يعمل هو ذلك، لكي تكتسب تلك المهارات منه، فأنت لا تستطيع أن تقول لرئيسك إن والدك أو صديقك سوف يدربك على المبيعات، لأنهم غير مؤهلين لتدريبك.
إن أكبر مَثلٍ على ذلك قصة نجاح بل قيتز (Bill Gates) الذي رأى مايكروسوفت (Microsoft)  في الثمانينات على أنه لاعب رئيسي في صناعة الكمبيوتر، حيث قرر قيادته وتوجيهه، حتى أصبح أكبر شركة في صناعة برامج الكمبيوتر، لأنه رأى الفرصة قبل أن يصطادها غيره، فعندما ترك الدراسة من أجل بدء حياته العملية في الكمبيوتر أغضب والديه، فكان والده يرغب أن يكون محامياً، فماذا لو عمل مثل ما يريد والداه، بدلاً من تحقيق حلمه؟ إن عليك أن تتحدث إلى من يعمل في نفس الصناعة التي اخترت أن يكون عملك جزءاً منها، وعليك أن تقضي وقتاً كافياً لجمع المعلومات، وألا تضيع وقتك وتفكيرك مع هؤلاء الأشخاص الذين ليس لهم علاقة بعملك، وتذكر أن أي قرار تعمله بعد اليوم مرتبط بالمستقبل وليس بالحاضر، وإلا لما رأى (بل قيتز) مستقبل مايكروسوفت وجعله يحدث، فعندما تتقدم في ممارسة عملك تذكر دائماً أهدافك التي وضعتها لنفسك، وأن تسلك الطريق الذي سوف يوصلك إليها، وقد يكون طريقاً شاقاً بعض الأحيان، ولكن عليك أن تكمل رحلتك، فليس هناك نجاح دون فشل.

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...