10/27/2015

لا يوجد أزمة مالية في السعودية

 
الثلاثاء 14 (أم القرى) محرم 1437 هـ - 27 اكتوبر 2015م - العدد 17291

المقال

 

د. فهد محمد بن جمعة
يضخم البعض تراجع أسعار النفط بنسبة 48% على أنها أزمة مالية سوف تعصف بالاقتصاد السعودي مع توقع انكماش الإنفاق الحكومي على مشروعات التنمية الذي يعتمد بنسبة 87% على الإيرادات النفطية، وهذه مبالغة أو جهل بأبسط النظريات المالية والاقتصادية. كما انه يدل على قصر النظر وعدم فهم استراتيجية المملكة البترولية التي تأخذ في الاعتبار المخاطرة في الأجل القصير من اجل المحافظة على حصتها السوقية عند اسعار جيدة مستقبليا، فلم يعد التحكم في كمية الانتاج يخدم مصالح المملكة على المدى الطويل حتى يصل السوق الى نقطة التوازن التي تبدأ عندها الاسعار في الارتفاع.
ان هذه عبارة عن دورة اقتصادية (Economic Cycle) يتعرض لها الاقتصاد بين فترة وأخرى مع تقلب اسعار النفط وفي حالات النمو، الركود، الانكماش، وقد تكون دورات غير منتظمة يتأثر بها أداء الاقتصاد سواء كانت موسمية أو اقتصادية مع تغير عوامل السوق الاساسية. إذ ان اهم العوامل المحددة لأي دورة اقتصادية التغير في معدل نمو اجمالي الناتج المحلي، أسعار الفائدة، معدل البطالة، الانفاق الحكومي والاستهلاكي. بل ان هذه الدورة تختبر مدى متانة الاقتصاد وقدرته على التكيف معها من خلال السياسات المالية والنقدية الفاعلة والمؤثرة في النمو الاقتصادي وتوسعه.
كما ان الكثير يتحدث عن تنويع مصادر دخل الدولة الذي يتم عالميا من خلال فرض الضرائب، على سبيل المثال، النرويج دوله نفطية ولكن ايراداتها النفطية تمول الميزانية العامة بنسبة 10% والباقي يستثمر خارجيا، بينما 90% من التمويل يأتي من ضرائب الدخل التي تتجاوز 35% الى 70%. لكن حكومتنا الرشيدة دائما تسعى الى رفع رفاهية المواطن الاقتصادية والاجتماعية بعدم فرض أي ضريبة إلا عندما يصبح ضرورة ملحة لتقديم المزيد من الدعم المالي لمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فلا شك أن أسعار النفط لها تأثير على الاقتصاد من خلال السياسة المالية التي تمارسها الحكومة بقدر اكبر بكثير من تأثير السياسة النقدية. لذا أدركت الدولة منذ عقود طويلة مدى خطورة تقلبات الاسعار بسبب تغير العرض او الطلب العالمي أو كليهما، مما جعلها تعتمد سياسات مالية واستثمارية واضحة لمواجهة عدم اليقين مستقبليا من خلال استثمار فوائض ايرادات النفط في أدوات مالية ذات عائد متناسب مع معدل المخاطرة الآمنة ومحاولة موازنة حجم ايراداتها بحجم الانفاق العام او على الاقل يكون مقدار العجز في السنوات الراكدة محدودا جدا. فان الحكومة السعودية قادرة في إطار ما تحصل عليه من ايرادات وما لديها من احتياطات مالية ان توازن بينهما بما يعظم الاثر المباشر الايجابي على نمو الاقتصاد الكلي والجزئي.
لكن وكالة الطاقة الدولية توقعت ان يبلغ متوسط الاسعار 55 دولارا في 2015 و 2016 وبأكثر من 60 دولارا في 2017 مع استمرار تراجع الانتاج العالمي وزيادة نمو الطلب المدعوم بمرونة الاسعار. لذا سوف يستمر اعتماد التمويل الحكومي على النفط وأي عجز سوف يتم سداده من الاحتياطي العام أو بإصدار سندات كما حدث فعلا في الاشهر الماضية أو الاقتراض أو كليهما عند اسعار الفائدة المتدنية حاليا مع تدني الدين العام ولكن عملية التفضيل بين هذه الخيارات يحدده معيار المرونة وأيهما اقل تكلفة حتى وقت الاستحقاق.
فعلينا ان نفرق بين الازمة والعجز في الميزانية فهما أمران مختلفان. فمازال الاقتصاد السعودي افضل مما كان عليه والملاءة المالية للحكومة عالية وسوف تعود اسعار النفط الى الارتفاع قريبا. لكن هذا لا يمنع من الترشيد المالي وترتيب اولويات التنمية وزيادة تنويع الاقتصاد كما ينبغى ان يكون دائما. كما ان تنويع الدخل الحكومي يجب ان يكون في وقت الرخاء قبل وقت الشدة من خلال تحصيل ضريبة (رسوم) القيمة المضافة (VAT) كما هو معمول في معظم بلدان العالم ولكن على السلع غير الأساسية التي لا تمس حاجات المواطنين اليومية.

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...