5/24/2016

اكتتاب أرامكو..أداء واستدامة

الرياض الاقتصادي

الثلاثاء 17 شعبان 1437 هـ- 24 مايو 2016م

الـمـقـال


فهد محمد بن جمعة
شهدت أسواق النفط العالمية في الآونة الأخيرة تطورات أساسية يصعب التكيف معها بنفس السياسات التي سبقت عام 2000، حيث ظهرت تهديدات جديدة، بما في ذلك تدني اسعار النفط، النفط الصخري، الصراعات الجغرافية، اختلاف الاستراتيجيات بين الدول المنتجة للنفط، تطور الطاقة المتجددة، مما خلق الحاجة الى إدارة بارعة ومبتكرة والخصخصة لما لها من دور هام في مساعدة واضعي السياسات لاتخاذ القرارات الصحيحة.
فان طرح 5% من اصول ارامكو للاكتتاب العام ضمن رؤية 2030، يصب في مصلحة الشركة والاقتصاد، مما يحسن من أدائها ويعظم العائد على اصولها وينشط الاستثمار المحلي ويجذب الاجنبية. ويعتبر هذا النوع من الخصخصة الجزئية نمطا شائعا في قطاع النفط والغاز، حيث تحصل الحكومة على النسبة الاكبر من مكاسب الأداء المقترنة بأسواق رأس المال الخاص دون الاضطرار إلى التنازل عن سيطرة الأغلبية. كما انها عملية تعزز هذه المكاسب الأولية في الأداء والكفاءة وتحافظ على استدامتها على المدى الطويل في ظل ارتفاع حدة المنافسة في الاسواق العالمية.
فقد برهنت التجارب العالمية في الصين، بريطانيا، والولايات المتحدة على ان طرح الشركات لأسهمها، يحسن أداءها، كفاءتها، وأرباحها، حيث يتم ادارتها بأيد متخصصة وباستخدام افضل التكنولوجيا المتقدمة مع مشاركة ملاك الاسهم لمواجهة متغيرات الاسواق العالمية، مما يجعل الادارة مسؤولية عن ادائها اتجاه أعمالها التشغيلية الحالية والمستقبلية، باتخاذ القرارات السليمة والديناميكية ذات المرونة الكافية.
وهذا لا يعني عدم تفوق ادارة الملكية العامة في ظروف معينة، عندما تعمل الشركة في سوق ناضجة او مستقرة وتعاني من نقص في رؤوس الأموال أو التكنولوجيا وتحتاج الى المزيد من الموارد اللازمة. لهذا قررت دول الخليج بتأميم شركاتهم النفطية خلال النصف الثاني من القرن العشرين. كما قامت الحكومة الصينية ايضا على مدى الاربعة عقود الماضية، بتقديم مشروع خطة إنمائية واضحة وبسيطة، تميزت فيها الحكومة بدور رئيس لإدارة المشروعات الكبرى، عندما كان اقتصادها سيئا في بداية الامر ويعاني من التخلف التكنولوجي.
لكن عندما حلت الازمة الاقتصادية بالصين في منتصف التسعينات، قررت التحول من الاساليب التقليدية المرتبطة بسيطرة الحكومة على المشروعات الى تخصيصها من اجل التغلب على أوجه القصور السابقة، مما جعلها رائدة في التكنولوجيا في الاسواق العالمية ولكن إصرارها على قيادة الاستثمار في البنية الأساسية الضخمة أدى إلى اتخاذ قرارات غير حكيمة تجارياً.
كما أوضحت دراسة "خصخصة شركات النفط الوطنية وتقييم الأثر على اداء تلك الشركات" التي قدمها "هريستيان وولف، جامعة كامبريدج، 2008م" لـ 28 شركة نفطية طرحت 60 اكتتابا عاما خلال الفترة 1977-2004، حيث كان بيع شركة "بريتيش بتروليوم" لحصة الأقلية في 1977م نقطة انطلاق برامج الخصخصة الحديثة. ولهذا تحسن أداء الشركات وكفاءتها بصفة مستمرة خلال السبع السنوات الاولى من عمليات التخصيص، حيث زادت المبيعات 3.6%، وإجمالية الانتاج 40%، النفقات الرأسمالية 47%، وإنتاجية الموظف 30%، مع تراجع الكثافة العمالة الى الاصول بنسبة 35%. كما استطاعت تخفيض تكاليف التشغيل للوحدة 11% والعمالة 8%، مع ارتفاع انتاج النفط والغاز في الاسواق العالمية بنسبة 15%.
ان الخصخصة الجزئية لارامكو سيزيد أداءها وكفاءتها بأكبر مما كانت عليه وبكل شفافية. وهذا لا يعني دائما بان الهدف الأساسي للخصخصة هو تحقيق مكاسب الكفاءة، بل يتجاوز ذلك الى استدامتها في مواجهة المتغيرات في عالم مليء بعدم اليقين. فأرامكو مازالت الأكثر قيمة في العالم وتتربع على 261 مليار برميل من الاحتياطي النفطي، وبطاقة إنتاجية تبلغ 12.5 مليون برميل يوميا وقابلة للزيادة الى 20 مليون برميل يوميا في غضون سنوات قليلة، مما يجعلها قادرة على جذب الكثير من اهتمام المستثمرين المحتملين في فترة الاكتتاب القادم والمتزامنة مع تحسن اسعار النفط بشكل تصاعدي في الاعوام القادمة.
ونتوقع ان تبدأ ارامكو بتطبيق مبدأ الشفافية، بالاعلان عن تأثير هذا الاكتتاب على أدائها المالي بالنسب والأرقام حاليا ومستقبليا.

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...