إننا نقدر جملة الأعمال التنظيمية والرقابية التي تقوم بها هيئة المال
وإدراج المزيد من الشركات على قائمة السوق, السماح للشركات الخليجية
المالية في الاستثمار في سوق المال السعودية, الترخيص لعدد من الشركات
السعودية لممارسة الاستشارات المالية والوساطة السعودية, وما زلنا ننتظر
تعديل وقت التداول من فترتين إلى فترة واحدة حتى تكون تلك الأعمال متماسكة
فيما بينها، وتؤدي إلى تحسين وضع السوق وتوسيع قاعدتها الاستثمارية، ما
يمنحها مزيدا من التوازن والاستقرار عندما تكون عمليات المضاربة عند أدنى
مستوياتها. ولا شك أن السوق أيضا مازالت تحتاج إلى المزيد من عمليات
الإصلاح ورفع الكفاءة، وتحسين الأداء من أجل جذب أكبر عدد من الاستثمارات
الممكنة التي تخلق سيولة جديدة وتزيد من عمق السوق. فإن استقلالية سوق
الأسهم والتزام الهيئة بوظائفها التنظيمية والرقابية، كما تعمل الآن، أمر
في غاية الأهمية، ويؤدي إلى تفعيل ميكانيكية السوق التي تحركها عوامل السوق
الأساسية من عرض وطلب، وذلك من أجل تحقيق التوازن المطلوب الذي لا يمكن
تحقيقه إلا بضمان حرية السوق وتوسيع قاعدته. وإذا ما كان هناك فشل في السوق
نتيجة لعوامل فنية أو تنظيمية أو خارجية، فلا بد للهيئة حينئذ من اتخاذ
خطوات إجرائية مؤقتة وحذرة لتصحيح ذلك الفشل حتى تستمر عوامل السوق في أداء
مهامها التصحيحية صعودا وانخفاضا من نقطة التوازن.
إن كل هذه التنظيمات سوف يجني ثمارها كل مستثمر إذا ما أفضت إلى تخفيض
معدل الخطر على الاستثمارات الذي أشعلت ناره المضاربة الحادة، حيث خسر معظم
صغار المضاربين أموالهم، فلم يأكلوا شيئا مما طبخوه ولم يحصلوا إلا على
ذرات رماد، بعد ما خدعتهم توصيات الأقارب وشائعات المنديات. هكذا تستطيع
الهيئة أن تضعف عنفوان تلك المضاربة باتخاذ خطوة أخرى إضافية تهدف إلى
إلغاء نسبة 10 في المائة تذبذب على سعر السهم وتطبيقه على المؤشر العام
فقط، وليس حتى على مؤشر القطاع لكي تكتمل دورة السوق وتأخذ الأسعار دورة
كاملة تؤدي إلى تصحيح الأسعار طبقا لآلية السوق التي تحقق العدالة في السوق
كلما توفرت المعلومات وارتفعت كفاءة السوق، من خلال تطبيق مبادئ حكومة
الشركات الذي سوف يتم تطبيقه قريبا. لكن كيف يحد تطبيق النسبة على المؤشر
العام من مستوى المضاربة، وما تأثيرها على آلية السوق في المديين القريب
والبعيد؟ نحن ندرك أن سوق المال السعودية تنقسم إلى قسمين تقريبا شركات
قيادية استثمارية تؤثر بشكل مباشر على المؤشر العام وشركات مضاربة ذات حجم
صغير وخاسرة، وهما يختلفان في خصائصهما من حيث الوزن وتذبذب الأسعار.
فتحرير الأسعار وتحرك المؤشر العام في نطاق 10 في المائة صعودا وهبوطا سوف
لن تؤثر عليه شركات الاستثمار في المدى القصير، لأنه ليس من طبيعتها أن
تتذبذب أسعارها بنسب كبيرة بينما شركات المضاربة ستشاهد تذبذبات حادة غير
مسبوقة، وقد تنخفض أسعارها إلى ما تحت 70 في المائة، ومع ذلك سيكون تأثيرها
محدودا في المؤشر. أما على المدى الطويل، فإن تلك الأسعار ستستقر عند
قيمها الحقيقية من خلال عمليات السوق التي تخلص السوق من الأسعار التضخمية
والوهمية التي لا تعكس أداء تلك الشركات، وسيعزف الكثير من المضاربين من
شراء أسهم المضاربة بعد أن عرفوا أن أسعارها قد تنخفض في أية لحظة وفي يوم
واحد، ليكون معدل الخطر عند أعلى مستوى له، فليس هناك رادع، وقد تتراجع بعض
أسعار تلك الأسهم إلى ريال واحد وقد لا تجد مشتريا لها, وما علينا إلا أن
نتذكر عندما هبط سعر شركة برايسلاين للإنترنت من 165 دولارا في عام 1999
إلى أقل من ثلاثة دولارات فيما بعد، وكذلك إفلاس "إنرون" في عام 2002. إن
باستطاعة الهيئة تشجيع الاستثمار الذي سيعود بالمنفعة على المستثمرين
والاقتصاد، ويحسن من أداء الأسهم ويدعم المؤشر العام ويحافظ على توازنه،
بينما يضع شركات المضاربة ذات التأثير المحدود على المؤشر في موقف لا تحسد
عليه، إما إنها تحسن من أدائها وإما أنها تعلن إفلاسها, وما أعظم خسارة
هؤلاء الذين اشتروا أسهمها لأنهم لن يحصلوا على شيء من أموالهم بعد تصفية
الخسائر وتسديد الديون وبيع الأصول المتهالكة، إن وجدت.
إن تغيير سلوك المضاربين يحتاج إلى قرارات قيادية تنقذهم من خطر السوق
شبه المؤكد إلى استثمارات آمنة يربحوا منها، وتجنبهم الأضرار الاقتصادية
والاجتماعية المترتبة على سوق المضاربة الحادة. هكذا تعلم السوق الأفراد
الذين لا يريدون أن يتعلموا وما على الهيئة إلا أن تراقب وتنظم وتترك السوق
تصحح نفسها بنفسها عند نقطة توازن الطلب مع العرض التي ستكون عندها أسعار
الأسهم أكثر واقعية وعدالة. فتذبذب المؤشر في نطاق تلك النسبة سيخلق اتجاها
له Trend يستطيع المحللون الفنيون المتعطشين، الذين طال انتظارهم، أن يروا
سوقا أكثر انتظاما حتى يقطعوا الشك باليقين في تحليلاتهم ولا يجدوا أنفسهم
في حيرة من أمرهم يوما بعد يوم، كما هو حاصل هذه الأيام. إن تحرير الأسعار
سيكون هو الحل الأمثل لتحويل الجزء الكبير من المضاربين إلى مستثمرين أو
الأفضل لهم الخروج من السوق, لأن نسبة 10 في المائة على الأسعار قد خدمت
مصلحة المضاربين الكبار الذين لا يرغبون في إخافة المضاربين الصغار وخروجهم
عندما تتدهور الأسعار إلى أدنى نقطة ممكنة، فيحجمون من الدخول في سوق
الأسهم. فهل ندرك أننا قد دعمنا المضاربين الكبار دون قصد؟ لأنه من الصعب
في سوق ناشئة مثل سوقنا أن نستطيع أن نحكم على كل ما يصدر من قرارات إنها
صائبة أو خاطئة في المدى القصير قبل أن نختبرها في الأجل الطويل ونحلل
إيجابياتها وسلبياتها، ونقول إنها قرارات فعلا صائبة عندما تكون الإيجابيات
أعظم من السلبيات وهكذا. فقد كان الهدف من 10 في المائة على الأسعار هو
منع المؤشر العام في مجمله من الهبوط أو الصعود الحاد من خلال تقليص حجم
التداول على سهم ما في اليوم نفسه، ولكن لاحظنا أن سعر السهم لشركة مضاربة
يرتفع إلى أقصى نسبة في اليوم الأول، ثم ينخفض إلى أدنى نسبة في اليوم
التالي والعكس صحيح، ما يؤكد أن المستفيدين من ذلك هم المضاربين الكبار
الذين يتلقون معلومات داخلية ثم يبيعون أسهمهم دفعة واحدة على حساب
المضاربون الصغار الذين أنهكتهم سياسة الإغراق وكبدتهم خسارة مؤلمة. ومع
ذلك أبقتهم نسبة 10 في المائة في السوق رغم تلك الخسارة. فما بالك لو تم
تحرير تلك الأسعار، وهو الذي لا يتمناه كبار المضاربين خصوم الحوكمة, ثم
ارتفعت أسعار الأسهم ارتفاعا حادا لا يستطيع أن يشتريها صغار المضاربين بعد
ذلك أو انخفضت انخفاضا حادا تدفعهم إلى الخروج من السوق، وتبقى المضاربة
بين الكبار عسى أن يعلم كل منهم الآخر درسا في المضاربة، وتتحول بعدها
السوق إلى سوق استثمارات حقيقية ذات عوائد جيدة وفائدة للاقتصاد السعودي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق