صحيفة اليوم
الأحد الموافق 4 مايو 2008 العدد 12742
د/ فهد محمد بن جمعة
منذ عام 2002 وأسعار النفط تتصاعد حتى أصبحت تتذبذب في نطاق 95-120
دولارا للبرميل في الأشهر الأخيرة مدعومة بحركة المضاربين التي رفعتها إلى
مستويات قصوى وإعطائها اتجاهات مبالغا فيها لا تتفق مع العوامل الأساسية
لسوق النفط ما جعل أسعار النفط تتأرجح في فوق متوسط 200 يوم على فترات
متتالية وبمعدل يزيد على 2 دولار.
هكذا نجح المضاربين في رفع أسعار النفط من 25- 30 دولارا للبرميل في
2000 إلى 60-75 دولارا في 2006 والآن نشاهدها فوق 93 دولارا للبرميل وتقترب
بعض الأحيان من حاجز 100 دولار بل إنها تجاوزته. إن ارتفاع الأسعار في
السنوات 7 الماضية جاء متزامنا مع استثمار المؤسسات المالية الكبيرة,
صناديق التحوط, صناديق التقاعد واستثمارات أخرى بمليارات الدولارات في
أسواق الطاقة ما أضاف متغيرا جديدا إلى المعادلة الاقتصادية للنفط ما نقلنا
إلى عقد زمني تشتد فيه المضاربة وبشكل ملحوظ أربكت اتجاهات أسعار النفط
وصعدت بأسعاره إلى مستويات لم يشهدها سوق النفط من قبل. لقد انتهى فعلا عقد
السبعينات وانتهى معه ما تملكه الأوبك من قوه مؤثرة في أسعار النفط
العالمية حتى إن عوامل السوق من عرض وطلب أصبحت غير قادرة على توازن
الأسعار في السنوات الأخيرة مع تعاظم سيطرة المضاربين على عقود النفط
الآجلة التي زادت من تذبذب الأسعار صعودا أو هبوطا مستفيدين من نشر
الشائعات وإلقاء اللوم على العوامل الجيوسياسية في الشرق الأوسط وعدم قدرة
الأوبك على زيادة طاقتها الإنتاجية التي أصبحت غير كافية مع ارتفاع الطلب
على النفط في كل من الصين والهند ما احدث عجزا في جانب العرض دفع بالأسعار
إلى حاجز 100 دولار للبرميل وبقائها فوق 90 دولارا للبرميل مع انخفاض عملة
التسعير.
إن فهم سلوك هؤلاء المضاربين يجعلنا قادرين على تحقيق الرؤية الاقتصادية
لأسعار النفط وما يجب على الأوبك أن تتخذه من قرارات للاستفادة من عامل
المضاربين للمحافظة على استقرار الأسعار العالمية أو تحقيق اكبر عائد ممكن
على استثماراتها النفطية من خلال صياغة المعادلة الاقتصادية وإدخال متغير
المضاربة والخروج بتسوية سعرية في أسواق الطاقة العالمية ترضي جميع
الأطراف. فليس هناك خلاف على أن العوامل السابقة قد ساهمت في ارتفاع أسعار
النفط ولكن المضاربين هم الذين رفعوا الأسعار إلى مستويات أعلى, عندما
تحولت مجموعة كبيرة من المضاربين يديرها متاجرو السلع, صناديق التحوط,
السماسرة, المؤسسات المالية ومتاجرو النفط التي يديرون أموالا تقدر
بتريليونات الدولارات إلى عامل أساسي في رفع أسعار النفط محققين مليارات
الدولارات ولكن الرابح الأكبر هو شركات النفط وكذلك الدول المصدرة للنفط.
إن المضاربين قد نجحوا في تثبيت أسعار النفط عند الهدف الذي وضعوه
لأنفسهم حتى ولو جاء على حساب نمو الاقتصاد العالمي مستفيدين من ضعف مرونة
الطلب والعرض في الأجل القصير دون التأثر الكبير بتقلبات الأسعار. وهذا ما
أكده تقرير (مارقون وستانلي) إن المضاربين يمثلون عاملا رئيسيا في دفع
أسعار النفط إلى أعلى مما حققته عوامل السوق الأساسية. إن ظاهرة أسواق
المشتقات التي ظهرت في أعقاب أزمة 1973م بعد أن كانت شبه معدومة فيما قبل
قد مهدت الطريق للمضاربين الطريق للاستفادة من تلك المشتقات التي منها عقود
الخيارات والمستقبليات والتي تعتمد قيمة الأصل فيها على قيمة أصل آخر
كأسعار السلع والأسهم والسندات. إن تلك الأدوات المالية سمحت للمقامرين
(punters) أن يضاربوا في أسعار السلع المتداولة ومنها أسعار النفط ما عزز
قيمة تعاملات المشتقات هذه الأيام حتى إنها تجاوزت مئات التريليونات من
اليورو حيث ارتفعت قيمة المشتقات من 189 تريلون يورو في 2005 إلى 315
تريليون يورو في نهاية 2006 أي بنسبة 70 بالمائة (222 تريليون يورو) حسب
تقديرات البنك الدولية لتسويه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق