8/22/2016

أسباب ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية

صحيفة اليوم

إعداد: د/ فهد محمد بن جمعة
أدت ارتفاعات الأسعار المتواصلة في الأشهر السابقة إلى فقدان الثقة بين الدول المصدرة و المستهلكة ما نتج عنه تبادل الاتهامات, حيث تعزو الدول المصدرة ارتفاع الأسعار إلى انخفاض قيمة الدولار وحدة التسعير بشكل ملحوظ وزيادة حدة المضاربة على عقود النفط الآجلة وارتفاع الطلب العالمي وبتحديد من الصين والهند, بينما الدول المستهلكة تعزو ذلك إلى نقص في كمية الإمدادات وان دول الأوبك قادرة على رفع إنتاجها من اجل تخفيض الأسعار إلى مستويات مقبولة لدى الجانبين. هذا يقودنا إلى طرح بعض النظريات لمناقشتها من اجل قبولها أو رفضها بأسلوب اجتهادي تدعمه الأرقام الاقتصادية والرسوم البيانية في صياغتها التاريخية من اجل تحليل الوضع الحالي وتحديد نقطة التغير التي أشعلت شرارة تلك الأسعار حيث وصل سعر الخام الأمريكي الخفيف إلى 140 دولارا للبرميل في الشهر الحالي والآن في العقود الآجلة. هذه النظريات هي ارتفاع الأسعار المتواصل سببه زيادة الطلب أو نقص المعروض في الأسواق العالمية وارتفاع الأسعار المتواصل سببه انخفاض قيمة الدولار و ارتفاع الأسعار المتواصل سببه ارتفاع حدة المضاربة في العقود الآجلة و ارتفاع الأسعار المتواصلة سببه جميع العوامل السابقة مجتمعة.
إن مراجعة حركة أسعار النفط على فتره طويلة وتفسير أهم الأحداث التي أدت إلى تغيرها منذ عام 1973 يكون لدينا فهما واضحا لتلك العوامل التي أثرت على أسعار النفط وكيف أنها تغيرت عبر الوقت فلم تعد تؤثر بنفس النسبة مع ظهور عوامل أخرى جديدة لم يكن تأثيرها واضحا في السابق.
نظرة تاريخية:
إن هؤلاء الذين لديهم خبرة عملية في قطاع النفط أو معرفة نفطية يدركون جيدا ان ارتفاع أسعار النفط التي تجاوزت 139 دولارا للبرميل لا تخدم المنافع الاقتصادية السعودية في الأجل الطويل, رغم زيادة الطلب في الصين والهند التي حافظت على نمو الطلب العالمي عند مستوياته المتوقعة ما انعكس أثره الايجابي على أسعار النفط في الأسواق العالمية. ما يضع ضغوطا على السعودية المنتج الأهم في العالم حيث إنها تمتلك اكبر طاقة إنتاجية تتربع على اكبر احتياط نفطي في العالم ما يعطيها ميزة لا تتوافر في دول الأوبك الأخرى ويجعل من قراراتها الإنتاجية عامل حسم في توجيه الأسعار إذا ما كان هناك نقص حقيقي في العرض العالمي من اجل المحافظة على استقرار الأسعار كجزء من سياستها وسلوكها التاريخي. فمنذ أن تم إنشاء منظمة الأوبك في عام 1960م إلى أن تم تحديد حصص إنتاجية لأعضائها ملزمة لهم دائما تتم مخالفتها من قبل هؤلاء الأعضاء ذوي الطاقة الإنتاجية المحدود ما اصبغ صفة (الكارتير) أو نوعا من الاحتكار غير المتماسك في السبعينات وكان لها فعلا تأثير مباشر في تحديد أسعار النفط ولكن تلك التأثيرات لم تلبث أن انتقلت من التحكم في الأسعار إلى التحكم في ميكانيكية العرض مقابل الطلب من اجل المحافظة على أسعار مجزية لها. فقد أثبتت السعودية للعالم أنها قادرة على التأثير على الأسعار والعرض في آن واحد في قرارها الحاسم بإيقاف إنتاجها في 1973 احتجاجا على العدوان الإسرائيلي ما رفع الأسعار إلى 12 دولارا للبرميل عند نهاية 1974 ما كان له تداعيات سياسية خطيرة وأضرار اقتصادية كبيرة على الدول المستهلكة. وبقيت الأسعار في مسار أفقي ما بين 12.21 و 13.55 دولار للبرميل من 1974 إلى 1978. فلا شك ان ارتفاع الأسعار في السبعينات زاد من عمليات التنقيب عن النفط والحفر رغم تميز نفط الخليج العربي بتكاليفه المتدنية لكن الأسعار المغرية حفزت الشركات الأخرى مستفيدة من قدراتها التقنية المتطورة في عمليات الحفر الأفقي والإنتاج إلى تخفيض تكاليفهم الإنتاجية الثابتة والمتغيرة ما خلق قيمة اقتصادية مضافة لهم. فكانت النتيجة فعلا مثمرة حيث تجاوز إنتاج الدول خارج الاوبك إنتاج الأوبك في 1979م ما افقد الأوبك السيطرة على الأسعار في الأسواق العالمية ولم يعد بقدرتها تثبيت الأسعار إلا التحكم في كميه الإنتاج من خلال التركيز على ما تبقى من الطلب العالمي على نفطها (الفرق بين الطلب العالمي مطروحا منه إجمالي إنتاج الغير أوبك) ما مكنها من الحصول على السعر الذى استهدفته وهو 18 دولارا للبرميل. لكن أسعار النفط تعرضت لأحداث سياسية عدة منها الثورة الإيرانية في 1979 التي عقبتها الحرب إلايرانية العراقية في 1980 التي رفعت الأسعار من 14 دولارا للبرميل في 1978 إلى 35 دولارا للبرميل في 1981 ما حفز الشركات خارج الأوبك على المزيد من الاكتشافات و الإنتاج ما بين 1980-1986 حيث ارتفع إنتاج غير الأوبك إلى 10 ملايين برميل في اليوم ما اضعف الطلب على نفط الأوبك مع زيادة المعروض من غير الأوبك الذي كان له اثر سلبي على الأسعار خلال نفس القترة وأضر بدول الخليج ومنها السعودية مع تناقص دخلها من النفط وتراكم المديونية والعجز في ميزانيتها طول تلك الفترة وحتى نهاية التسعينات. أما في الفترة ما بين 1990- 1997 فقد ارتفع الطلب العالمي وانعكس ايجابيا على الأسعار على طول فترة 1997-1998 إلى أن تبنت الأوبك نطاق سعري ما بين 22-28 دولارا للبرميل التي ما لبثت أن تخلت عنه في 2005. ولأكثر تفصيل يمكن انظر إلى الرسم البياني لأسعار غرب تكساس (WTI) التي توضح لنا تقلبات أسعار النفط من عام 1973 حتى عام 2008 ولكن الأهم هو قفزة أسعار النفط المتواصلة من عام 2003 إلى عام 2008 حيث ارتفعت من 30 دولارا للبرميل إلى 106 دولارات لبرميل في شهر مارس 2008 على التوالي. (المصدر: إدارة معلومات الطاقة).
الطلب والعرض:
من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النفط بنسبة 1.28% في العام الحالي أو 1.1 مليون برميل يوميا اقل من ما كان متوقع له سابقا أي بمتوسط قدرة 86.88 مليون برميل يوميا. إن الرسم البياني التالي يقارن بين حجم الطلب والعرض العالمي ومدى تجاوبهما مع أسعار النفط خلال الفترة ما بين 2004-2007. حيث نلاحظ أن الطلب ارتفع من 82.33 إلى 85.38 مليون برميل في اليوم في 2004 و 2007 على التوالي وكذلك العرض من 83.12 إلى 84.55 مليون برميل في اليوم خلال نفس الفترة ولكن كان هناك فائض طفيف في العرض في بداية الفترة والذي بدأ يتقلص حتى كون عجز في نهايتها بلغ 0.83 مليون برميل يوميا رغم ارتفاع الأسعار إلى 72.36 دولار للبرميل. هنا نرى إن ارتفاع الأسعار كان نتيجة لطلب المستمر الذي لم يقابله عرض يؤدي إلى استقرار الأسعار عند سعر 66.10 دولار للبرميل الذي يمثل نقطة التوازن بين منحنيي الطلب والعرض. (المصدر: إدارة معلومات الطاقة).
هذا يدفعنا إلى تحليل إجمالي إنتاج النفط من الأوبك وغير الأوبك الذي سوف يؤكد لنا ما سبق شرحه ونستطيع تحديد الفرق بين الطلب والعرض ومن أين أتى هذا النقص أو الفائض في جانب العرض.
فبعد حساب معادلة الطلب على نفط الأوبك و مقارنتها بإنتاجها خلال نفس الفترة كان من الواضح إن إنتاج الأوبك اقل من الطلب عليها بمقدار 3.18 مليون برميل يوميا في 2004 و بمقدار 5.35 مليون برميل يوميا في 2007. ان هذا العجز في العرض قد يكون ما تقصده الدول المستهلكة تحت فرضيه إن دول الأوبك لديها اكبر احتياطي نفطي واكبر طاقه إنتاجيه ما يحملها مسؤولية ذلك العجز. لكن من الملاحظ إن إنتاج الأوبك كان شبه ثابت ولا يختلف ذلك عن اتجاه إنتاج غير الأوبك فلا نستطيع تحميل دول الأوبك هذا العجز فقد يكون نتيجة لعدم زيادة دول غير الأوبك لإنتاجها أو زيادة معدل الطلب أكثر من زيادة معدل العرض.
ضعف الدولار:
منذ إصدار عملة اليورو في يناير 1999 واصل ارتفاعاته مقابل الدولار حتى انه وصل إلى مستوى قياسي مدعوما بتخفيض الاحتياطي الفدرالي الأمريكي لمعدل الفائدة إلى 2% بينما أبقي الاتحاد الأوربي على سعر الفائدة الحالية, ما انعكس ايجابيا على سعر غرب تكساس محققا أسعارا تاريخيه. وبما إن تسعير النفط يتم في الدولار ومعظم عملات أعضاء أوبك مرتبطة بالدولار فان ارتفاع تلك الأسعار يتماشى مع انخفاض سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخر وخاصة اليورو ولو تم حساب السعر الحالي على أساس أسعار عام 1980 لوجدناه انه لا يتجاوز حاجز 100 دولار للبرميل. فان محاولة أوبك مهما كانت لتأثير على الطلب على نفطها عن طريق زيادة إنتاجها محاوله غير موفقه لخفض الأسعار إلا مؤقتا. فان الأوبك ملزمه بالمحافظة على مستوى دخلها من النفط عند أسعار مرتفعه في ظل تدهور قيمه الدولار الناتج عن ركود الاقتصاد الأمريكي ورغم عدم نقص المعروض من نفطها. لذا يكون السعر المستهدف لمنظمة الأوبك اهو السعر الذي يحقق عائدا حقيقيا مضافا إليه نسبه النمو و نسبة عدم التيقن بالمستقبل من اجل رفع معدلات نموها الاقتصادية والفائض الاقتصادي لكل مواطن ما يرسخ أسس الأمن والاستقرار لها.
إن الرسم البياني المرفق يوضح علاقة ارتفاع صرف اليورو مقابل الدولار و أسعار غرب تكساس من يناير عام 2004 إلى مايو2008 والذي يمثل الفرق بينهما قيمة انخفاض الدولار ما يبرهن على إن العلاقة كانت طرديه حيث ارتفعت الأسعار عندما انخفضت قيمة الدولار مقابل اليورو لسد تلك الفجوة في سعر الصرف وفي ظل ارتفاع التضخم المستورد الذي أنهك عاتق دول الخليج المستوردة لمعظم سلعها بغير الدولار. ( المصدر: البنك المركزي الأوربي)
المضاربة:
إن الاتجاه العالمي للاستثمار في سلعة النفط بعد انخفاض قيمة الدولار وركود الاقتصادي الأمريكي ساهم إلى حد بعيد في رفع أسعار النفط وعلى تنشيط المضاربة في أسواق النفط من خلال تغيير المضاربين لمراكزهم وتكرار رفع الأسعار في العقود الآجلة. فقد أكشفت للجنة تجارة السلع المستقبلية ( CFTC) بعد تفحصها لما يتم نشره وما يدور في أسواق السلع من مضاربات منذ ديسمبر الماضي إن هناك نوعا من الاستغلال لأسعار النفط بواسطة هؤلاء المضاربين ما قد يجعلها أكثر صرامة بمراقبه هؤلاء المضاربين ومنع التلاعب بأسعار النفط في العقود الآجلة. فإذا ما نجحت هذه اللجنة في تحقيق أهدافها وضبطت المخالفين في أسواق النفط فان أثره سوف يكون سلبي على أسعار النفط وقد نشهد انخفاض في تلك الأسعار في المستقبل القريب إذا ما كانت المضاربة عامل رئيسي في معادلة الأسعار. علما إن اللجنة سوف تراقب مؤشرات الصناديق المالية في الأسواق الأمريكية وتتبادل المعلومات عن أسواق النفط مع سلطه الخدمات المالية في بريطانيا وأي سي اي ICE)) لمستقبل أوربا بعد إن تم الاتفاق بينهم على ذلك. لكن علينا أن نفهم سلوك هؤلاء المضاربين حتى نكون قادرين على تحقيق الرؤية الاقتصادية لأسعار النفط وما يجب على الأوبك أن تتخذه من قرارات للاستفادة من عامل المضاربين من اجل المحافظة على استقرار الأسعار العالمية أو تحقيق اكبر عائد ممكن على استثماراتها النفطية من خلال صياغة المعادلة الاقتصادية وإدخال متغير المضاربة و الخروج بتسوية سعريه في أسواق الطاقة العالمية ترضي جميع الإطراف. فلا خلاف على إن مجموعه كبيرة من المضاربين من متاجرين السلع, صناديق التحوط, السماسرة, المؤسسات المالية يديرون أموال تقدر بتريليونات الدولارات في سوق السلع ومنها النفط بقصد تحقيق أرباح طائلة ولكن الرابح الأكبر هو شركات النفط وكذلك الدول المصدرة للنفط. إن الذي ساند المضاربين في تثبيت أسعار النفط عند أهدافهم هو ضعف مرونة الطلب والعرض في الأجل القصير دون التأثر الكبير بارتفاع الأسعار فلا الطلب تناقص ولا العرض تصاعد. وهذا ما أكده تقرير (مارقون وستانلي) إن المضاربين يمثلون عامل رئيسي في دفع أسعار النفط إلى أعلى مما حققته عوامل السوق الأساسية. لكن ظاهرة أسواق المشتقات ليست بالجديدة فقد ظهرت في أعقاب أزمة 1973م بعد أن كانت شبه معدومة ما مهد الطريق للمضاربين للاستفادة من تلك المشتقات التي منها عقود الخيارات والمستقبلية والتي تعتمد قيمة الأصل فيها على قيمة أصل أخر كأسعار السلع والأسهم والسندات. إن تلك الأدوات المالية سمحت للمقامرين أن يضاربون على أسعار السلع المتداولة ومنها أسعار النفط ما عزز قيمه تعاملات المشتقات هذه الأيام حتى إنها تجاوزت مئات التريليونان من اليورو وارتفعت قيمتها من 189 تريلون يورو في 2005 إلى 315 تريليون يورو في نهاية 2006 أي بنسبة 70% (222 تريليون يورو) حسب تقديرات البنك الدولية لتسويه.
وكما في العادة يرفض المضاربين أن يكونوا سببا رئيسيا في رفع الأسعار ويفسرون ارتفاعها على أنها نتيجة للعوامل السوق الأساسية التي تحدد اتجاه أسعار أي سلعه. وجاءت نظرة رئيس الخزانة الأمريكية متوافقة مع نظرة هؤلاء المضاربين حيث أكد إن ارتفاع أسعار النفط ليس سببه المضاربة في أسواق البورصات العالمية. لكن بعض الدراسات ذكرت إن ارتفاع أسعار النفط حفزت على المضاربين والمستثمرين على دخول أسواق النفط بكل قوه ما أدى إلى رفع الأسعار بشكل اكبر. لذا يلجأ المضاربين إلى استراتيجيه إيقاف الأوامر مثل ( إيقاف طلبات الأوامر - الخسارة ) أو (شراء أوامر الخسارة) عندما يحصلون على معلومات قيمه يستطيعون أن يستغلونها لخدمه مصالحهم, فيقومون بعمليات الإيقاف من اجل دفع الأسعار إلى أعلى, وعندما يدركون إن عدد أوامر الشراء كبيرة عند سعر اعلي من السعر الحالي فأنهم يقومون بشراء كميه كبيرة من النفط لرفع أسعاره إلى أسعار جديدة ما يخلق تأثير الدومنو( Domino) على إن تلك الطلبات سوف تخلق طلبات أخرى تدفع بالأسعار إلى مستويات اعلي من السابق يتم عندها بيع ما بحوزتهم من نفط بسعر اقل ما يجعل أسعار النفط في حركة تذبذب مستمرة.
السعودية:
عندما تشكل أسعار النفط أزمة لدى الدول المستهلكة فان أنظار العالم تتجه إلى السعودية القائدة الأولى في سوق النفط والتي تتبع سياسة إنتاجيه متوازنة فهي لا ترضى أن تحقق أرباح هائلة على حساب المستهلكين ولكنها تدرك إن النفط سلعة استراتيجيه وغير متجددة والمصدر الأساسي لتمويل عمليات التنمية المتواصلة. إن السعودية دائما تهدف إلى خلق سوق نفطية متوازنة من خلال عوامل العرض والطلب ولكن عند أسعار لا يكون العرض له تأثير سلبي على اقتصاديات الدول المستهلكة ما يعود بأثر رجعي على معدل نمو الطلب العالمي ورفع أسعار السلع المستوردة إليها. فإننا نجد السعودية دائما تلتزم بحصتها التي تقررها لها الأوبك بينما نجد الأعضاء الآخرين ينتجون عند أقصى طاقات لهم.
انه من الواضح إن معظم الأعضاء ينتجون عند أقصى طاقتهم ما عدا السعودية التي مازال لديها طاقه إنتاجيه فائضة بما يزيد عن 2.15 مليون برميل يوميا. إن سلوك بعض أعضاء منظمه الأوبك باستغلال ارتفاع الأسعار مرتفعه من خلال تقليص بعض الأعضاء لحجم حصصها الإنتاجية تاركه الأعضاء ذات القدرة الإنتاجية العالية في موقف حرج لاتجاه معظم أنظار المستهلكين في العالم إلى سلوك السعودية الإنتاجي كما تسمى عادة « العارضة للمتبقي من الطلب العالمي». هكذا أصبح النفط سلعه استراتيجيه اقتصاديه تتأثر بحجم الطلب والعرض العالمي وسياسية لها أبعادها التي يسهل تفسيرها.
إن الأهم إن تتبع السعودية سياسات إنتاجيه هامه تصب في صميم المنافع الاقتصادية من سلعة النفط لتعظيم عائدها اعتمادا على حجم احتياطها النفطي المثبت والنوعية وما هو متوقع اكتشافه. كما إن طول الفترة الزمنية للاحتياط النفطي لا يعتبر مؤشرا حقيقي للمنفعة الاقتصادية التي تعود من بيع تلك السلعة في ظل إمكانية إيجاد مصادر أخرى قبل استنفاذ ذلك الاحتياطي. لذا تجاوز سعر نفط غرب تكساس أو برنت حاجز 130 دولار للبرميل لا يخدم مصالحنا ألاستراتيجيه في المديين القصير والطويل إذا ما أخذنا في الحسبان لنتائج السلبية المترتبة على ارتفاع أسعار النفط الحادة واستثماراتنا في رفع طاقنا الإنتاجية إلي 12 مليون برميل في اليوم ومدعومة بأكبر احتياطي نفط مثبت يتجاوز 260 مليار برميل. إن الخطأ يكمن في مقارن منافع المنتجين الصغار من أعضاء الأوبك مع مصالح اكبر دولة مصدره للنفط حيث إنها تصدر 8.9 مليون برميل في البوم إلى الأسواق العالمية و لديها فائض إنتاجي قدره 2.5 مليون برميل في اليوم وتستثمر مبالغ هائلة في الاستكشاف والتنقيب الذي توج بعدد من الآبار المنتجة بينما الآخرين ينتجون عند أقصى طاقه إنتاجيه ممكنه رغم إن احتياطاتهم النفطية محدودة بل إن بعض أبارهم قد بدأت في التناقص. إن السعر العادل للنفط هو الذي يحقق معادله العائد الأجدى ويحقق رضاء المستهلكين في دول صديقه لنا ويبعدنا من جدل قد يدفع بنا إلى طريق مظلم. إن مطالبه بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي المتكررة بمقاضاة دول الاويك على إنها تنظيم احتكاري وهو واحد من النتائج السلبية مهما حاول بعض المحللين إن يبرروا لنا أن منظمه الأوبك ليس احتكاريه. إن النظرة الثاقبة في معادلة الإنتاج والطلب ومحدداتها وارتباطها بعوامل البيئة المحيطة بها محليا وعالميا يجعلنا نحدد الأسعار المناسبة لنفطنا فهناك أسعار ملموسة وأخرى غير ملموسة تحقق لنا دخلا مستقر يتناسب مع حجم استثماراتنا. فمازال الاستهلاك العالمي يتعاظم حيث تستورد الولايات الأمريكية 35%, اليابان 14%, الصين 8%, ألمانيا 8% من إجمالي اكبر 10 دول مستورده في العالم.
إن السعودية تستطيع إن تحقق هامش ربحي كبير من خلال استغلال طاقتها الإنتاجية وبيع النفط الخفيف ذو الجودة العالية أولا بأول ما يمكنها من سداد دينها العام واستثمار المبالغ الفائضة في إيجاد مصادر دخل أخرى عند أسعار لا تزعج المستهلكين.إن المبررات واضحة ومن أهمها:
1- عدم ترك الفرصة لدول ذات التكاليف المرتفعة من استغلال ارتفاع الأسعار مما يضر بمصلحتها.
2- عدم ترك الدول ذات الطاقة الإنتاجية والاحتياط المحدودتين وذات المنافع في الأجل القصير من استغلال الأسعار مما يضر بمنافعها الاقتصادية لاحقا.
3- عدم تحفيز الدول المتقدمة على إيجاد بدائل أخرى على الأقل في المديين القصير والمتوسط مع إبقاء الأسعار عند مستوىات مقبولة للمستهلك مع إنها سوف تكون مرتفعه إلى حد ما.
4- عدم التصديق بان منافع النفط الاقتصادية سوف تستمر طوال عمر الاحتياط النفطي بل يجب تحقيق اكبر قدر ممكن من الدخل بزيادة الإنتاج عند معدل أسعار مجديه.
الاستنتاج:
لا احد يستطيع أن ينكر إن أسعار النفط قد وصلت إلى مستويات قياسية و مازال الطلب العالمي مستمر فيه نموه مع تباطؤ في نموه يقابله نقص في إجمالي الإنتاج من بعض الدول المنتجة أما لتقلص طاقاتها الإنتاجية أو اعتقادها إن الكمية المعروضة كافيه لموازنة العرض مع الطلب العالمي. فلا شك إن المضاربة لها تأثير في تذبذب أسعار النفط بشكل يومي وفي المدى القصير بعد النمو الذي تشهد أسواق تجارة السلع والذي بلغ حجمها تريليونات الدولارات. لكن من الواضح إن التأثير الكبير جاء من انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى ومن مخاوف نقص العرض بعد إن بينت بعض الإحصائيات إن بعض الدول المنتجة لا تمتلك طاقه إنتاجيه فائضة أو إن حقولها النفطية بدأت تتناقص ما يجعل التوقعات المستقبلية بناء على الطاقات الإنتاجية الحالية ونقص الإمدادات المتزامنة مع ارتفاع نمو الطلب العالمي إن الأسعار سوف تواصل ارتفاعها والى مستويات تاريخية.
كاتب اقتصادي وإقليمي

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...