إن الاقتصاد الذي يعتمد دخله على السلعة الواحدة النابضة مثل
النفط مهدد بتعرضه لمخاطر كبيرة في المدى البعيد إذ لم يتلاف ذلك بخلق اقتصاد بديل
ومتنوع يستخدم الفوائض النفطية في المشاريع ذات الميزة التنافسية التي تستطيع
منتجاتها أن تنفذ عبر الحدود إلى الأسواق العالمية تحت حماية منظمة التجارة
العالمية. إن حساسية أسعار النفط من خلال تذبذباتها الحادة هذه الأيام بعد أن صعد
سعر غرب تكساس عموديا إلى مستوى 147.27 دولار للبرميل في 11 يوليه قبل أن يتراجع
إلى 124.44 دولار للبرميل في 23 يوليه أي بخسارة قدرها 22.83 دولار يؤكد عدم التنبؤ
بالمستقبل المملوء بعدم اليقين . إن نمو الاقتصاد السعودي الحقيقي مستقبليا يعتمد
على حجم القيمة المضافة للقطاعات الاقتصادية الأخرى وليس على نمو أسعار النفط ذات
التحرك السريع في الأسواق العالمية التي يصعب التحكم في متغيراتها بعد أن أصبحت
عمليات التحوط والعقود المستقبلية جزءا لا يتجزأ من المعادلة الاقتصادية النفطية
على ان تأثيرها لا يقل أهمية عن زيادة الإنتاج أو خفضه بعد أن صارت بعض الدول
المصدرة للنفط مثل المكسيس تتحوط ضد انخفاض الأسعار في المستقبل ما انعكس سلبيا على
أداء الأسعار المستقبلية.
لكن من الواضح ان المخاوف من تقلص الطلب العالمي على
النفط حتى في الصين والهند هو الأهم بعد تلك الارتفاعات التي فاقمت من ارتفاع
تكاليف الإنتاج في البلدان المستهلكة وحدت من نموها الاقتصادي وأدت إلى تدهور
مؤشرات بورصاتها. كما لاحظنا في الأيام الاخيرة ان انخفاض الأسعار جعل البورصات
العالمية خاصة الأمريكية والأوربية تنتعش حيث سادت حالة من التفاؤل بين أوساط أصحاب
القرارات الاقتصادية والتجارية. لكن انخفاض أسعار النفط إلى مستويات 90 دولارا
للبرميل قد يترابط سلبيا مع عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تنمو بشكل
متسارع مع زيادة معدل النمو السكاني والطلب على الخدمات العامة وزيادة الاستهلاك
المحلي للوقود خلال السنوات المقبلة.
إن المزيد من الاستثمارات في تنمية مصادر
الطاقة من النفط والغاز الطبيعي يحتاج إلى مليارات الدولارات ما قد يمارس ضغوطا على
الميزانية العامة رغم تقديرها عند الحد السعرى الأدنى بهامش امان واسع النطاق. فقد
يكون النقص في فائض دخل النفط مستقبليا ناتج عن انخفاض أسعاره الحقيقية وزيادة
الإنفاق الحكومي الذي لن يستطيع مواكبة زيادة معظم الاحتياجات الاقتصادية
والاجتماعية في منتصف الخطة الخمسية التاسعة في بداية العقد القادم. فمازالت صادرات
النفط تمثل 90 بالمائة تقريبا ما يترك 10بالمائة تقريبا لصادرات البتروكيماويات
وغيرها من المنتجات ما يؤكد اننا مازلنا معتمدين على النفط بشكل رئيسي ما قد يعرض
اقتصادنا إلى هزات مالية لضعف القيمة المضافة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في
اقتصادنا والتي تقل مساهمتها عن مساهمة تلك المنشآت في اليابان والصين بنسبة 70
بالمائة تقريبا.
كاتب
اقتصادي
fahedalajmi@saudi.net.sa
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق