الاقتصادية
|
إن خطاب الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الأمين للهيئة العليا للسياحة
خلال افتتاح المعرض والملتقى الدولي لآفاق الاستثمار في ("الاقتصادية",
17/11/1426هـ) كان خطابا رائعا ودقيقا عندما قالها وبكل صراحة "أنه لا دخل
لمسائل الوطنية في الاستثمار داخل المملكة أو خارجها وإنه لا يمكن أن
تستعمل عبارة الوطنية كوسيلة لجذب هذه الاستثمارات الهاربة، بل الأولى أن
توجه عبارة الوطنية تلك للمسؤول الحكومي مهما كان صغيراً أو كبيراً الذي
يتردد في اتخاذ قرارات جذب الاستثمار وتحفيزه، فأولئك أولى بتوجيه رسائل
الوطنية لما اقترفوه في حق وطنهم من حرمانه ومواطنيه من المشاريع التي تضيف
للاقتصاد وتشغل الأيدي العاملة المحلية. فالمسؤولية لا تقع على عاتق
المستثمر الذي قرر الهجرة باستثماراته إلى حيث يجد من يرحب به، بل على
المسؤول الذي أرغمه على ذلك"
إني أشد على يدي سموه وأقول له لقد تابعت وسمعت فأصبت عندما وضعت النقاط
على الحروف، فعلا إن قرارات المستثمرين، وهذا ما تؤكده كل كتب الاقتصاد
والأعمال في أي بلد من بلدان العالم من حولنا، تهدف إلى تحقيق عائد على
استثماراتهم عند معدل من الخطر يتقبله هؤلاء المستثمرون لأن قراراتهم ليست
مبنية على أهداف سياسية أو وطنية لأنهم أصلا وطنيون، وهذا ما يدعني لا أشكك
في أن المستثمر السعودي عندما يجد فرصة استثمارية في بلده حتى ولو عند
معدل خطر أعلى منها في بلد آخر فإنه لن يتردد في اغتنامها والاستثمار فيها.
فأنت محق يا صاحب السمو بعد أن فتحت الدولة الباب على مصراعيه للاستثمارات
الأجنبية وذللت الكثير من العقبات التي تقف في طريقها في ظل اقتصاد سعودي
قوي عند معدل نمو قد تجاوز معدل النمو السكاني ليبلغ 6.5 في المائة هذا
العام. لذا لماذا تتهافت الاستثمارات على تلك المدينة الخليجية الصغيرة
"دبي" رغم ضيق سوقها الاستثمارية وارتفاع أسعار التضخم فيها؟ إن عودة
الرساميل السعودية من الخارج في أعقاب أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2002 إلى
السعودية التي استثمر معظمها في مجالات العقار والأسهم مع أن ذلك لا يضيف
الكثير إلى إجمالي الناتج القومي (لنسميها فترة عودة الأموال السعودية
الهاربة) التي لم تلق الأرض الخصبة لها حتى تترعرع وتنبت مصادر دخل متنوعة
يقطف ثمارها الاقتصاد السعودي، فسرعان ما اتجهت مرة ثانية إلى الخارج وخاصة
إلى دول الخليج (لنسمها فترة نفور الأموال السعودية). إن تحليل ذلك من
الهين ولا يحتاج إلى دراسات وبحوث وإنما بمجرد مساءلة بعض هؤلاء النافرين
باستثماراتهم إلى الخارج فإن الأسباب التي أجبرتهم على هذا الرحيل مرة
ثانية ما تعرضت له استثماراتهم من تضييق الخناق عليها من خلال قرارات
حكومية صارمة تفوت عليهم فرص الاستثمار المجدية وعنصر المنافسة في عالم
متحرر من قيود التجارة بعد أن تم انضمام السعودية إلى منظمة التجارة
العالمية. لقد كان المستثمرون يتذمرون من الضريبة على الاستثمارات الأجنبية
ومن العقبات التي تقف في طريق استثماراتهم ولكن الآن بعد أن طفح الكيل
وأصبح هم المستثمرين وخاصة إذا ما كانت استثماراتهم ذات كثافة عمالية مثل
شركات المقاولات والخدمات التي عانت من ضيق سوق العمل السعودية وعدم توافر
العمالة سوءا كانت سعودية أو أجنبية أنهم فعلا في مأزق من أمرهم. فبينما
إمارة دبي تلعب على وتر قرارات العمل السعودية وتنادي بأعلى صوتها مؤكدة
توافر العمالة ذات التكلفة المتدنية من جميع الجنسيات فإننا نرى في الاتجاه
المعاكس إن وزارة العمل السعودية تعلن في الصحف المحلية وتحذر السعودي من
الاستثمار في أي مشروع مفترضا أن وزارة العمل ستلي حاجته من العمالة. إن
ذلك فعلا تلاعب بجهد وأموال المستثمرين وكارثة اقتصادية وصدمة مؤلمة توجه
إلى المستثمرين السعوديين عندما نرى تظلم رجال الأعمال حتى المواطنين لعدم
توافر العمالة التي يحتاجون إليها ويتبناهى بعض هؤلاء المسؤولين بالتوظيف
الوهمي للسعوديين. هكذا نعود مرة ثانية إلى الوطنية كلعبة سياسية أو
اجتماعية أو شماعة يعلق عليها ما لم يستطع بعض هؤلاء المسؤولين عمله لإصدار
قرارات متناقضة ولا تنسجم مع الأهداف الاستراتيجية للدولة من سياحة
واستثمار حتى توظيف السعوديين. لقد كثرت التحديات في سوق العمل السعودية
واعتمدت على سياسة التنفير للاستثمارات السعودية، حيث إن العنصر البشري أهم
عناصر الإنتاج التي يعتمد المستثمر عليها في قراراته، فنرى الشركات
الأمريكية على سبيل المثال تتجه إلى الدول الآسيوية طلبا للعمالة الرخيصة،
فهل يا ترى من الأجدى لنا أن ننفر المستثمرين السعوديين وندفعهم قسرا إلى
الهرولة وراء توافر العمالة وعند تكاليف متدنية؟ هل ما زلنا نتبع مبدأ
الانفرادية في قراراتنا ونردد شعارات الوطنية ونقول إننا مخلصون وهدفنا
توظيف السعوديين فإن النيات بالأعمال في قطاع الاقتصاد والقرارات الحكومية
وليس العكس، حيث تظهر الأرقام ماذا تم تقديمه من برامج وتوظيف للموارد
المالية والبشرية. إن معالجة البطالة الهيكلية في السعودية لا تتم عن طريق
الانتقام من رجال الأعمال وتنفير استثماراتهم فلم يكونوا يوما من الأيام
سببا في تلك البطالة، بل إن السبب المباشر في ذلك كانت سياسة وزارة العمل
التي أقحمت سوق العمل السعودية بمنح التأشيرات دون حاجة القطاع الخاص لها،
ما شجع العمالة المتسترة والمتاجرة بتلك التأشيرات في السوق السوداء. لذا
لا بد أن تكون سياسة سوق العمل متفقة مع احتياجات التنمية الاقتصادية
والقطاع الخاص بعد أن علقت الدولة آمالها عليه لينهض بالاقتصاد السعودي
وينوع مصادر دخله. إن فرضية وزارة العمل أن هناك ترابطا إيجابيا شديدا بين
نسبة توظيف السعوديين لأدركنا أيضا أن نسبة استقدام العمالة الأجنبية التي
تحتاج إليها تلك المنشآت غير دقيقة ولا توجد تلك العلاقة في المهن التي لا
يرغب السعودي العمل فيها اقتناعا منه، بينما توجد علاقة طردية وموثقة في
شركات مثل "أرامكو" و"سابك" بين عمل واستمرار العامل السعودي في عمله
وتوفير القرض السكني له، فهل تعلم ذلك وزارة العمل، علما أن لديها صندوق
الموارد البشرية الذي يموله القطاع الخاص الذي يقابل بالاتهامات والتضييق
عليه. كما أنه لو تم تحديد عدد العمالة التي تحتاج إليها السوق السعودية
الآن وفيما بعد لأدركنا أيضا أنها فعلا فرضية مجحفة وظالمة لأصحاب المنشآت
الذين بدأت أعمالهم تنكمش ويعصف صداها بمعدل النمو الاقتصادي غير النفطي
فما بالك بردة الفعل المتأخرة التي سوف تكون محطمة لآمال التوظيف بتقليصها
المهن غير المرغوبة فيها. هكذا يتسبب انحصار المنشآت الصغيرة والمتوسطة في
تضاءل فرص العمل للسعوديين ناهيك من التأثير السلبي على إجمالي الناتج
المحلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق