11/10/2010

. كن متداولاً ذكياً

د. فهد محمد بن جمعة
ليس غريبا أن نرى مشاهد مؤلمة لمن دخل سوق الأسهم السعودية مضاربا بكل ما يملكه من نقدية وخرج منها مفلسا أو مدينا دون أن يعرف ماذا حدث له فعلا، إنها الغوغاء التي أجهزت على هلاك رؤوس أموال أصحاب الدخول المحدودة فزادتهم اكتئابا وأفقدتهم الثقة في هذه السوق. لكن ما أشبه اليوم بالأمس فمازالت المضاربة شعار السوق وهذه المرة في القياديات ولو انها قد ضعفت مقارنة بالسابق مع انخفاض مستوى السيولة في السوق وغياب التمويل بغرض شراء الأسهم. 
إن المضاربة في الحقيقة خطيئة لكل متداول لا يفهم قواعد المقامرة ولم يتلق تدريبا على مهارات تحليل السوق فنيا ولا متى يوقف خسارته ولا كيف ينتهز الفرص قبل غيره. إن الرجل العادي هو الأكثر عرضة للفقر من عمليات المضاربة في السوق. ولكن البعض يمكن له أن يكسب بعض المال من خلال اتخاذ قرارات مدروسة نحو الاستثمار، لكن لا أرى كيف يمكن له أن يكسب المال عن طريق كونه مضاربا وهو لا يعرف ابسط قواعد المضاربة ولم يقم بأي جهد كاف لتبرير مضاربته. فعليك أن تكون مضاربا ذكيا بتقييم الايجابيات والسلبيات حتى تعرف ربحك مقابل الخطر الذي سوف تواجهه وخلاف ذلك تصبح مضاربا غبيا. 
إن الاستثمار يعتمد على التكهنات التي يراها المستثمر الذكي، فلا تكن مستثمرا غبيا، حيث ان عملية الاستثمار تحتوي على ثلاثة عناصر مهمة: التحليل الدقيق، هامش من الامان، العائد المناسب وأي عملية شراء لا تستوفي هذه الشروط تعتبر مضاربة. هكذا يرى (غراهام) ان لاستثمار شيء قمت بتحليله بكل دقة، وتعرف بالتحديد ما قمت بشرائه، وتعلم انه مستقر على المدى الطويل، وسوف يعطيك عائدا جيدا من خلال زيادة القيمة الرأسمالية للسهم وتوزيع أرباح جيدة على السعر الذي دفعته. 
إن هؤلاء الأفراد الذين يصرخون: شراء! شراء!، نحن جميعا سوف نصبح أغنياء، عندما يرتفع سوق الأسهم بشكل كبير، لن تدوم فرحتهم طويلا قبل أن يصرخون بيع! بيع! أو (تعلقنا) نحن سوف نصبح مفلسين، عندما ينخفض سوق المضاربة بشكل كبير. إن المستثمرين هم الذين يبحثون عن شراء الأسهم المقومة بأقل من قيمتها بغض النظر عن أداء السوق، ثم لا يبيعونها إلا إذا كانوا فعلا في حاجة إلى المال أو عندما تكون مقومة بأكثر من قيمتها. لقد جادل غراهام كثيرا ان إحدى المخاطر الكبيرة التي تواجه المستثمرين عندما يكونون مضاربين، لكنهم يصدقون انهم مستثمرون، لأنهم يشترون بناء على معلومات سرية ساخنة أو شائعات قد لا تكون صحيحة وإلا أصبح ذلك استثمارا جيدا. فتراهم يشترون في صناديق الاستثمار على أساس توصيات وشائعات، دون أن يجهدوا أنفسهم بمعرفة ما إذا كان الاستثمار ذا جودة مالية بناء على مبادئ سليمة تضمن لهم قدرا كبيرا من الأمان في الاستثمار وعائدا جيدا. إن الطريقة الوحيدة لنجاح المستثمر في السوق هو امتلاكه ثقافة استثمارية تعتمد على المنطق السليم والتي ليست موجودة في سوقنا بشكل عام وبين صغار المتداولين بشكل خاص. 
إن التركيز المفرط على دخل الشركات المعلن قد لا يكون قرارا صائبا عندما يكون ذلك مؤقتا، أو حتى مخادعا. فقد يكون تضخم أسعار الشركات والمؤشر فخا تقع في مصيدته وقد تدخل صناديق الاستثمار سراديب المضاربة متخلية عن أسس الاستثمار وإدارة محافظ عملائها بكل احترافية. 
حتى ولو كنت تحمل اكبر شهادة علمية وتعتقد انك ذكيا لا يعني انك مستثمر جيد، هل تعرف ان (إسحاق نيوتن) الفيزيائي الشهير وصاحب نظرية الجاذبية الذي كان يملك أسهما في شركة البحر الجنوبي البريطانية في 1720م، قد باع أسهمه عندما شعر ان السوق فقد السيطرة مع انه يستطيع حساب تحرك الموجات رياضيا ولكنه لا يستطيع حساب جنون الناس فحقق 100% ربحا ما يعادل 7 آلاف جنيه استرليني، لكن بعد عدة اشهر شده حماس السوق على شراء عند أسعار مرتفعة فخسر 20 ألف جنيه إسترليني أي ما يعادل 3 ملايين جنيه إسترليني حاليا. 
فلا تستثمر دون أن تعرف ما سوف تشتري بعد أن تقوم بدراسته بكل دقة عند معدل من الامان، ولا ينبغي أن تخاطر بأموالك التي أنت في حاجة لها مستقبليا. 
*عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية 
* عضو الجمعية المالية الأمريكية

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...