د. فهد محمد بن
جمعة - كاتب اقتصادي 01/03/1427هـ
إن المبررات التي تجعل من تلك القضية حقا
مشروعا يثير غضب المواطنين تتمحور في الركائز التالية:
1 - احتمالية تعرض صحة
المواطن لأخطار مرضية ناتجة من موقعه قرب تلك الأبراج، وهذا ما يؤكده العديد من
الدراسات والمنظمات التي حددت مواصفات معينة يجب اتباعها في تشييد تلك
الأبراج.
2 - تشويه تخطيط المدينة، حيث إن تلك الأبراج تتميز بحجمها الضخم
والمساحات الكبيرة التي بدأت شركة الكهرباء تشيد لها قواعد خرسانية كبيرة وكأنها
تقول للمواطنين إنكم مغلوبون على أمركم ولن تستطيعوا تغيير قراراتنا. كما أن شركات
الجوال عمدت إلى تأجير وشراء أراض سكنية بجوار المنازل وبناء تلك الأبراج العملاقة
المخيفة.
3 - تعرض حياة المواطنين للخطر في حالة الأمطار والسيول والأعاصير,
مثلما حصل في أضم ومركز الجائزة، ما أثار ذلك استياء عدد كبير من المواطنين من سوء
تنفيذ الخطوط الكهربائية التي لم تضع في حساباتها أن تلك الأماكن معرضة لجريان
السيول باستمرار.
4 - تخفيض قيمة العقار الذي يوجد قريبا منها سواء كان أرضا أو
سكنا وهذا يمكن التأكد منه عن طريق مقارنة سعر المتر المربع القريب من تلك الأبراج
بالمتر المربع تنازليا أو تصاعديا، ما قد يشرحه جيدا النموذج الرياضي الذي يستعمل
في استغلال الأراضي وتقييمها Hedonic pricing Model-Land use الذي بمقدرته تحديد
الخسارة التي تكبدها أصحاب العقار، والمفروض أن يتم تعويضهم عنها. إن ما تم ذكره هو
في صميم الموضوع وأمر لا يمكن تجزيئه في وضع مهمة تعكس المصلحة العامة وتحافظ على
رفاهية المواطن وسلامته.
لقد أوضح العديد من الدراسات أن الناس الذين يسكنون
قريباً من أبراج الضغط العالي للكهرباء (الإشعاع الكهرومغناطيسي) Electromagnetic
Radiation يكونون أكثر الناس عرضة للإصابة بسرطان اللوكيميا والثدي مقارنة بالذين
يبعدون عن مواقع الضغط العالي. فإن التعرض لكميات ضئيلة من الإشعاع الكهرومغناطيسي
لمدة طويلة تسبب السرطان, وقد لوحظ أن العمال الذين يشتغلون في هذا المجال هم أكثر
الناس عرضة لسرطان اللوكيميا, فما بالك بخطوط الضغط العالي، وهل تصدق من يقولون إنه
لم تثبت العلاقة بين مرض السرطان وإشعاعات الضغط العالي؟ وهنا سوف أصنف مراجعة
البحوث التي تم نشرها إلى ثلاثة أصناف:
1 - البحوث التي لم تكن نتائجها واضحة أو
لم تجد أي علاقة بين التأثير الكهرو مغناطيسي وصحة الإنسان إحصائيا ولكنها لا تنفي
خطرها بل تطالب بعمل المزيد من البحوث, فمعظم تلك الدراسات تمت عند قوة إشعاعية قد
لا تكون كافية لإظهار العلاقة المتوقعة فيصبح معدل الارتباط ضعيفا وغير مهم. فلو
أجريت بعض الدراسات المستقلة على أبراج الجوال والضغط العالي المتوافرة لدينا في
المناطق الممتلئة بالسكان قد نجد أن معدل الترابط على الأقل (0.9) أي أنه أمر خطير
يتطلب من الدولة اتخاذ قرار حاسم في دفن تلك الخطوط الهوائية تحت الأرض وإزالة
أبراج الجوال.
2 - البحوث التي كانت نتائجها ضعيفة وتطالب بدراسات جديدة وعند
مستويات مختلفة من القوة الإشعاعية والموجات.
3 - البحوث التي أجريت على الفئران
وعلى الإنسان أثبتتا أن هناك علاقة واضحة تؤكد أن تلك الأبراج تسبب أمراضا وبائية
مختلفة وهذه هي الأبحاث التي سوف يتم ذكرها.
لكن علينا أن نعي لماذا لا تريد
شركات الكهرباء التخلص من تلك الأبراج وتخفيض خطرها: إن هناك ثلاثة اختيارات أحلاها
مر:
1 - استعمال التكنيك الهندسي الذي يؤدي إلى تقليص الحقل المغناطيسي الناتج
عن خطوط الكهرباء, المحطات, المحولات بوضع درع حماية Shield ولكنه من الصعب تنفيذه
بعد عملية الإنتاج, ولكن منطقة صغيرة ممكن أن تحمى بواسطة صفائح من النيكل والحديد
والنحاس- Mu ****l a nickel-iron-copper alloy ولكنها طريقة باهظة التكاليف, أما
لحماية منطقة كبيرة ممكن أن يكون بواسطة نوع من الحديد الرخيص ولكن مازالت تكاليفه
مرتفعة ويتطلب معرفة عالية بهذا التكنيك.
2 - زيادة ارتفاع البرج حتى تكون
الموصلات Conductors فوق سطح الأرض، ما يخفض قوة الحقل عند ممر الخطوط الكهربائية
power line corridor, حجم ومكان ومواصفات تلك الموصلات يمكن تعديلها من أجل تخفيض
الحقل المغناطيسي, ولكن هذا الاختيار يمتنع تطبيقه لمخاطره الكهربائية.
3 - دفن
الخطوط الذي يخفض الحقل المغناطيسي لأن الخطوط تحت الأرض تكون مغطاة بمطاط أو
البلاستيك أو الزيت عند تثبيتها بدلا من الهواء، وهذا يسمح للوصلات أن تكون قريبة
من بعض وإلغاء كثير من المراحل phases وتخفيض في الحقل المغناطيسي يكون أكبر كلما
ابتعدنا من الكيبل المدفون, ولكن تلك العملية مازالت مرتفعة التكلفة ويستغرق
تنفيذها وقتا وتكون تكلفة الإصلاح في حالة العطل مرتفعة.
لقد وضحت الفكرة أن
التكلفة المرتفعة هي السبب الوحيد الذي تحاول شركات الكهرباء أن تتفاداه فهي دائما
تنفي وجود الأخطار. ففي كل مرة تعتمد على بعض الدراسات التي لم تجد أي علاقة مهمة
بين أبراج الكهرباء وأمراض السرطان إحصائيا رغم عدم نفيها أنها لا تمثل خطرا على
صحة الإنسان، بل إن هناك العديد من الدراسات التي تثبت العكس. ولكي يفهم الجمهور
نتائج الدراسات التي سوف يتم استعراضها فإنه لا بد من توضيح أن دراسات الأوبئة
epidemiologic studies تستعمل رقما يقيس الخطر النسبيrelative risk RR ، وهذا يتم
بتقسيم حدوث السرطان في المجموعة المعرضة للموجات الكهربائية على حدوث السرطان في
المجموعة غير المعرضة للموجات الكهربائية فعندما يكون الخطر النسبي (1) فإنه لا
يوجد أي تأثير, وأكثر من (1) الخطر النسبي يتزايد حدوثه في المجموعة المعرضة وأقل
من (1) فإن الخطر النسبي يتناقص حدوثه, وعادة لا يكون الخطر النسبي مهما بين 6. و
1.8 عند نسبة 95 في المائة من الثقة. وهنا نذكر ملخصا لبعض الدراسات التي درست تعرض
السكان للموجات الكهربائية:
السرطان وتعرض السكان لخطوط التيار
الكهربائيه
RR's نطاق الخطر RR الخطر النسبي متوسط عدد الدراسات نوع
السرطان
1.90-0.80 1.2 20 + لوكيميا الأطفال
1.70-0.80 1.2 10 + سرطان مخ
الأطفال
4.00-0.80 1.8 8 ورم الغدد الليمفاوية
1.60-0.90 1.3 7 كل أنواع
سرطانات الأطفال
1.65-0.85 1.15 6 لوكيميا البالغين
1.30-0.70 0.95 5 سرطان
مخ البالغين
1.35-0.80 1.1 8 كل أنواع سرطانات البالغين
إن أكثر من 20 دراسة
أوضحت نتائجها أن متوسط خطر إصابة الأطفال باللوكيميا فيها يتجاوز (1), بينما أكثر
من عشر دراسات بينت نتائجها أن متوسط خطر إصابة الأطفال بسرطان المخ تتجاوز (1) من
الخطر النسبي وهكذا.
يتواصل الحديث في الحلقات المقبلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق