11/26/2010

مخاطر الطفرة الثانية

 
<>  <> 
   
مخاطر الطفرة الثانية
   
   

    
   
   

 
د. فهد محمد بن جمعة
إننا لا نختلف على إننا
  تمكنا من إنشاء بنية تحتية جيدة نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ولكننا تجاهلنا عواقب
  تلك الطفرة لأننا لم نستثمرها بمعايير اقتصادية دقيقة ضمن رؤية اقتصادية واضحة
  في الأجلين القريب والبعيد. فلم يعقب تلك الطفرة إلا اعتماد شبه كلي على سلعة النفط
  في تنمية اقتصادنا دون إيجاد بدائل اقتصادية حقيقية تؤدي إلى تنويع مصادر الدخل
  وتنقلنا من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على مصادر أخرى من أجل تحقيق
  استقرار اقتصادي لا يتأثر بشكل مباشر بتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية.
  إن تلك الطفرة لم تستغل في توظيف أفراد المجتمع في ظل رؤية مستقبلية تتخذ من
  ارتفاع المعدل السكاني نموذجا يمنع ظهور البطالة في اقتصادنا والتي ظهرت بشكل
  سريع فاق كل التوقعات دون أن يرافقها استثمار فاعل ومتناسب مع متطلبات التنمية
  الاقتصادية الحديثة والمعاصرة. فلم يتم توسيع مجال الاستثمارات المحلية
  والأجنبية بل كان محدودا للغاية ولم يكن أصلا من الأولويات التي يتردد صداها بين
  جدران القطاعات الاقتصادية. إن الأهم ألا نكرر الكرة مرة ثانية، فما هي الدروس
  التي تعلمناها من تلك الطفرة الأولى وتداعياتها وما أقرب اليوم إلى الأمس ونحن
  الآن نعايش الطفرة الثانية والتي في تقييمي ستكون تداعياتها، أخطر وأمر من
  الأولى عندما نرى إن السيولة المتوافرة في اقتصادنا تستثمر في قطاعي الأسهم
  والعقار، بل إنه يتم إغراء كل حامل نقود من جميع الشرائح أن يستثمر كل ما لديه
  مقابل الحصول على منفعة ربحية زهيدة متجاهلين إن ذلك لا يضيف أي قيمة مضافة إلى
  إجمالي الناتج المحلي. هل هذا هو حل للبطالة؟ أو حل لتنويع مصادر الدخل؟. نعم
  يفرح البعض ويصر على أن ارتفاع أسعار النفط العالمية يخدم مصلحتنا ونحن دولة
  نملك أكبر إنتاج واحتياطي نفطي في العالم، قد يكون هذا صحيح لمدة محدودة ولكن
  ليس بشكل متواصل. إننا في واقع الأمر يقلقنا الارتفاع الحاد في الأسعار والتي
  يعقبها انخفاض معاكس يؤدي إلى نزع الثقة من الاقتصاد وتعرضه لتقلبات تكون جارفة
  في ظل تنافس الدول المتفاجئة، تقلبات بدائل النفط والتي فعلا بدأت وما أدراك ما
  تخفيه تلك الدول من اكتشافات واختراعات في مجال الطاقة التي لا نعلم بها حتى
  يأتي اليوم المناسب لكشف النقاب عنها، وتكون مفاجئة تقلب جميع التوقعات
  والسيناريوهات رأسا على عقب وتكون نكسة موجعة لارتفاع الأسعار وخطيرة يتم عندها
  سعر البيع معادلا لسعر التكلفة. إن القلق لا يكمن في اضمحلال النفط بل في فقدانه
  لقيمته الاقتصادية عندما يصبح النفط مصدرا ثانويا يمكن استبداله بمصادر أخرى. إن
  الاتجاه الاقتصادي في حالة عدم وضوح الرؤية المستقبلية وإيجاد البدائل الأخرى
  سيكون معرضا لعواصف المنافسة العالمية في مجال الطاقة والتجارة والاقتصاد إلى
  النقطة التي يصعب التراجع منها. إن الاستثمار الخاطئ للسيولة النقدية المتوافرة
  في قطاعي الأسهم والعقار بدأت نتائجه السلبية تطفو على سطح الحركة الاقتصادية
  والتجارية وبشكل مباشر على أن تلك الاستثمارات ليس لها قيمة مضافة وإنها تضعف
  القوة الشرائية للمستهلك على مستوى المحلات والخدمات التجارية والتي تعد من أهم
  المؤشرات الاقتصادية التي تقيس معدل النمو الاقتصادي وبهذا فإن تداعيات ذلك
  خطيرة على نطاق السوق المحلية في تقليصه والحد من قدراته التنافسية ونحن على قاب
  قوسين أو أدنى من انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية. إن تلك الطفرة الثانية ستتحول
  إلى نكسة اقتصادية خطيرة عندما تتشبع الأسواق المحلية من تلك الاستثمارات
  التداولية محدودة القدرة الاستيعابية والتوسعية في مجال الاستثمارات وتدفع إلى
  تقليص حجم القوة الشرائية في الاقتصاد وإضعاف القدرة الاستهلاكية للأفراد ما
  يؤدي إلى إضعاف القطاع التجاري ثم تقليص حجمه إلى مستويات تنعكس آثاره السلبية
  على إجمالي الناتج المحلي. إن تلك المخاطر تتمحور حول غياب المعلومات الدقيقة في
  أسواق الأسهم والعقار وضيق السوق المحلية وضعف معرفة المستثمر في تلك المجالات
  والأخطار المترتبة على ذلك، فكلها عوامل كفيلة بتهديد تلك الأسواق في الأجل
  البعيد إن لم يكن القريب. هكذا نرى أن تلك الاستثمارات تتناقض مع الاستراتيجيات
  الاقتصادية المفروض اتباعها من توظيف السعوديين وتنويع مصادر الدخل من خلال جذب
  الاستثمارات وتنمية صناعة السياحة وتكوين قاعدة تصديرية متينة. وتأكيدا على ذلك
  توجيه السيولة المحلية إلى الاستثمار في الأسهم والعقار التي لا تخلق مجالات
  اقتصادية جديدة تؤدي إلى توظيف الموارد البشرية والمالية وتضيف قيما اقتصادية
  مهمة إلى إجمالي الناتج المحلي. * نقلا عن جريدة "الاقتصادية"
  السعودية
 
 

  
 

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...