د. فهد بن جمعهجريدة اليوم
ضغوط على البنوك للحد من قروض الأسهم عقب انتكاسة «الاثنين»
التضخم في اقتصادنا مشتق من انحراف إجمالي الطلب في الاقتصاد عن إجمالي الإنتاج المتوقع وعوامل خارجية. ورغم أن مؤسسة النقد تحاول أن تحافظ على توازن الأسعار عند مستوى محدد من سعر الفائدة برفع من تكلفة القروض البنكية بناء على تكهنات بحجم فجوة الإنتاج المستقبلية. وكما يشير الأدب الاقتصادي إلى أن تكون نسبة الفائدة أعلى من معدلها الطبيعي إذا ما كان الاقتصاد عند نقطة أعلى من نموه المتوقع, وإذا لم يحدث ذلك تكون السياسة النقدية توسعية ما قد يؤدي إلى تدهور الاقتصاد من خلال ظهور الضغوط التضخمية ثم بالتالي ارتفاع الأسعار العامة.
إن تحديد سعر الفائدة تحدده الظروف الاقتصادية الحالية والعوامل الاقتصادية المتوقعة والمفروض التعامل معها بالدرجة التي تصبح السياسات النقدية عندها أكثر فاعلية فإذا ما كانت أسعار الأسهم من المفروض أن تعكس التحليل الأساسي لأداء الشركات فترتفع مع زيادة ربحيتها ونموها المتوقع وتنخفض مع غير ذلك لكن ما نلاحظه هو الانحراف الشديد لاتجاه الأسهم عن اتجاه الاقتصاد السعودي وان كانت في نفس الاتجاه يكون الارتفاع أو الانخفاض مبالغا فيه ما يصعب أن يكون لها تفسير منطقي. وإذا ما كانت تلك الارتفاعات نتيجة لقوة الاقتصاد أم إنها ارتفاعات نحو الفقاعة هذا ما حدث فعلا عندما تصاعدت أسعار الأسهم بشكل عمودي في اتجاه تكوين الفقاعة في فبراير 2006 وصعد المؤشر إلى أعلى مستوى له عند 20352 نقطة وكانت كارثه لمعظم المتداولين في سوق الأسهم.
نحن لا ننكر أن سوق الأسهم السعودي لا تتوافر فيه الشفافية وانتقال المعلومات بصورة سريعة من المصدر إلى جميع المتداولين في نفس الوقت كما ينقصه الكثير من الأدوات المالية ولكننا نتحدث عن واجب السياسة النقدية في المحافظة على استقرار أسعار الأسهم وان تكون اتجاهاتها في تناغم مع اتجاهات الاقتصاد الكلي حتى لا يكون لها تأثير على مستوى السيولة وخلق أجواء تضخمية أو العكس.
إن الكثير من المحللين في سوق الأسهم يتحدثون عن مشاكل السوق وما يحتاج له من تعديلات هيكلية وتطبيق نظام الحوكمة والشفافية من اجل رفع كفاءة السوق ولكن نحن ندرك أن من الأسباب الرئيسية في انهيار السوق كان عائدا إلى حد بعيد عن غياب المعلومات ومنح البنوك المحلية القروض الشخصية والتمويل بالهامش وسوء إدارة مديري الصناديق لاستثماراتها ما عرض هؤلاء المتداولين إلى خسارة كبيرة وفي معظم الأحيان تصل نسبتها إلى 70 بالمائة. وهنا يتساءل المتداول في هذه السوق لماذا غاب دور مؤسسة النقد وهل عليها أن تمارس سياسة نقدية متزامنة مع ارتفاع المؤشر لكي تحمى المتداولين من الخسارة وتحد من تكوين الفقاعة التي حذر منها العديد من المحللين وكانت واضحة عندما يرتفع السوق بشكل رأسي دون وجود المبررات.
إذا تتبعنا تجارب بعض الأسواق العالمية المتقدمة فإننا سوف نلاحظ أن شواهد الفقاعة من الصعب أن تكتشفها في البداية إلا بعد أن تنفجر مثل ما حصل في مؤشر « نازدك» عندما انخفض بأكثر من 750 نقطة في يناير 1995 ليرتفع إلى أعلى ذروته 4800 في مارس 2000 أي بعد 5 سنوات لاحقة ثم انخفض مرة أخرى في مارس 2003 إلى نحو 1350 فانه من الواضح انه لا يستطيع أصحاب القرار أو المراقبون أن يفرقوا بين ارتفاع الأسعار العائد إلى أساسيات السوق أو الارتفاع لأسباب أخرى ولكن هذا في أسواق الدول المتقدمة وليس في سوقنا. فلو فرضنا أن مؤسسة النقد السعودية شككت في ارتفاع الأسعار المتتالي وانه لا يتفق مع قوة الاقتصاد أو أداء الشركات فان رفع نسبة الفائدة قد لا يؤدي إلى تباطؤ السوق بينما أسعاره ترتفع بنسب مضاعفة تفوق الارتفاع في سعر الفائدة. إن المحافظة على ارتفاع سوق الأسهم من المحتمل أن يجعل الأفراد يشعرون بأن وضعهم المالي أفضل مما كان عليه ما يجعلهم يزيدون من استهلاكهم.
وإذا ما كان الاقتصاد ينتج عند أقصى طاقة إنتاجية له فان ذلك يسبب ضغوطا تضخمية ويصبح المطلوب من مؤسسة النقد أن تعيد تنبؤاتها عن مستقبل نمو الإنتاج والتضخم ثم تتخذ القرارات النقدية المناسبة. لان من أهم مهام المؤسسة المحافظة على استقرار السوق المالية وعليها أن تهتم بمراقبة سوق الأسهم وما قد تسببه من آثار ايجابية أو سلبية على الاقتصاد عامة وعلى النظام المالي خاصة. فقد لاحظنا قبل انهيار سوق الأسهم في فبراير 2006 أن البنوك أفرطت في تقديم القروض متجاوزة معايير الائتمان المعروفة حتى أغرقت محافظ المتداولين الصغار ما حفزهم على الاستمرار في شراء المزيد من الأسهم إلى ان حدثت الفقاعة. ففي أعقاب تلك الكارثة بدأت المؤسسة تمارس ضغوطها على البنوك للحد من قروض الأسهم ولكن سوق الأسهم قد اخذ منحى الانخفاض الحاد ومن المفروض أن تتجاوب السياسة النقدية مع الوضع لإعادة الحياة إلى سوق الأسهم مرة ثانية. ونحن ندرك أن مؤسسة النقد لا تستطيع أن تتحكم في التضخم للتأثير على الإنتاج والعمالة ولكنها تستطيع التأثير بطريقة غير مباشرة برفع أو خفض سعر الفائدة في الأجل القصير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق