لم يدعم توحيد الشركات العشر الإقليمية للكهرباء التي أصبح اسمها شركة الكهرباء السعودية مركزها المالي منذ تاريخ تلك الوحدة التي ما زالت الحكومة السعودية تملك ما نسبته 74 في المائة منها، في حين تملك "أرامكو" 6.9 في المائة، والمساهمون 19 في المائة. بل إنها تكبدت الكثير من الخسائر المتصاعدة حيث بلغت 436 مليون ريال في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بخسارة بلغت 303 ملايين ريال في الفترة المقابلة من العام الماضي. وما زلنا ننتظر دور القطاع الخاص في إقامة محطات الكهرباء وإدارتها ما قد يساعد على فعالية توليد الكهرباء وتوسيع شبكة الكهرباء لتشمل مناطق نائية وقرى متفرقة، إضافة إلى تصدير الكهرباء إلى دول مجلس الخليج العربي. إن الأزمة الإدارية والمالية الأخيرة مؤشر يؤكد تدهور أسعار أسهم الشركة وعائدها الضئيل الذي قدمته الحكومة تبرعا منها للمساهمين بعد أن تراكمت عليها الديون التي بلغت 15 مليار ريال حتى أنها لم تستطع أن تستمر في بناء مشاريعها لو أنها لم تحصل على موافقة الحكومة مرة ثانية على إقراضها 2.5 مليار ريال من صندوق الاستثمارات العامة. فعلا أنها شركة تعيش أزمة إدارية ومالية وأنها غير قادرة على خفض تكاليفها وتنفيذ مشاريعها بفعالية أكثر واستغلال جميع الاختيارات المتاحة لها لتعزيز موقفها الإنتاجي والمالي وكسب رضاء مساهميها الذين اشتروا أسهمها على أنها أسهم دخل وذات خطر أقل. فإنها مسؤولة عن تحسين أدائها وتنويع استثماراتها ألا تبقى مكتوفة اليدين في وجه أسعارها المنظمة وإنما عليها أن تعمل على عدة جهات منها تخصيص بعض عملياتها ذات التكلفة المرتفعة والتعاقد مع شركات خاصة تدير أعمالها في بعض المناطق وأن تدخل في معادلاتها الاستثمارية الاندماج الأفقي مع شركات الغاز أو إنشاء شركة غاز خاضعة لملكيتها وإدارتها.
فإن إعادة بناء شركة الكهرباء بعد أن تحولت من شركة حكومية إلى شركة خاصة رغم أن الحكومة ما زالت تملك معظم أسهمها موضوعا جديرا بالنقاش وبطرح أفكار جديدة تعزز من مراكزها المالية وتنوع من استثماراتها من خلال التكامل الأفقي بينها وبين إنشاء شركة غاز متطورة تستعمل الأنابيب لنقل ذلك الغاز من أقرب مصدر له حتى مراكز الخدمة في المدن والمناطق الأكثر تركزا سكانيا لكي يتم توزيعه إلى كل من يطلب الخدمة من المستهلكين بواسطة شبكة أنابيب ذات مواصفات ومعايير عالمية تحافظ على سلامة المستهلكين وكذلك على البيئة. ففي هذا الإطار لا بد أن نلقي نظرة على أوجه الاختلاف والتشابه بين هذين النوعين من المشاريع لكي تتضح لنا التكاليف والمكاسب من التوسع الأفقي لشركة الكهرباء. لأن تنمية مصادر الكهرباء له علاقة مباشرة بصناعة الغاز الطبيعي الذي يستعمل في توليد الكهرباء، ما يجعله متوافقا مع سياسة التكامل الأفقي لتوليد الطاقة التي لا يمكن أن يستغني عنها المستهلكون كما هو الحال في معظم شركات الكهرباء العالمية التي تدمج بين تلك الصناعتين في الوقت نفسه. ولا شك أن القيمة الاستثمارية في شركات الغاز عادة لا تقارن بما يتم استثماره في شركات الكهرباء ذات الحجم الكبير ولا يوجد لها بديل في معظم الاستعمالات كما هي الحالة في استعمال الغاز, ولا تواجه شركات الغاز الأخطار نفسها التي تواجه شركات الكهرباء من ناحية تنظيمة.
وبما أن النظام الكهربائي مصمم على أساس أنه يوفر الكهرباء للمستهلكين في كل الظروف وبمواصفات سلامة عالية وعند أسعار منظمة تتناسب مع تكاليف المعيشة لذلك البلد. فإن تلك الصناعة تقوم أساسا على الاندماج الأفقي الذي يتمثل في ثلاث وظائف لتوفير الطاقة الكهربائية: التوليد باستعمال المولدات التي تشغل بواسطة (الماء, الديزل, الغاز الطبيعي, التوبينة البخارية), نقل بواسطة شبكة الضغط العالي من المصدر إلى الموقع, التوزيع باستخدام شبكة هوائية أو أرضية ذات قوة كهربائية منخفضة من المحولات إلى موقع المستهلك. لذا فإن الخدمات الكهربائية تعتمد في مهامها على طول شبكتها التوزيعية وطاقتها الإنتاجية وقوة المحولات عندما يكون هناك حاجة لها. بينما خدمات الغاز تعتمد بصفة خاصة على طبيعة شبكة الأنابيب والتوزيع الجغرافي لها. مع أن كلتا الصناعتين متوازيتان من حيث طبيعتهما الاحتكارية ونظاميهما التوزيعي لخدماتهما والذي يتم تقديمها مباشرة إلى المستهلك النهائي. فإن معظم شركات الكهرباء الكبيرة في العالم تجمع بين توزيع الكهرباء والغاز ضمن تنسيق إداري ومالي. فإن من مميزات الغاز أنه يمكن ضغطه وتخزينه اقتصاديا لكي يستعمل في فترات ارتفاع الطلب عليه بينما الكهرباء لا بد من إنتاجها فقط عندما يتم طلبها، والذي يعني أنه لا يتم تخزين الطاقة الكهربائية بطريقة اقتصادية إلا في حالات نادرة.
فإذا ما استمر الاتجاه الحالي لشركة الكهرباء في تدني معدل توزيع أرباحها إن وجدت Payout ratios(الربح الموزع للسهم في السنة مقسوما على عائد السهم) فإن أسهمها سوف تعتبر أضعف من أن تسمى أسهم دخل. وهذا ما يمهد الطريق إلى أن تشتري أسهمها لزيادة العائد على أسهمها ولكنها في مأزق مالي ولا تتوافر لديها النقدية الزائدة بل لديها ديون متراكمة ومعظم أسهمها غير خاضعة للتداول. فإن معظم شركات الكهرباء العالمية وفي أمريكا بالتحديد لا توزع أرباحا إلا حديثا وبنسبة تقل عن 20 في المائة من تلك الشركات المدرجة في البورصة الأمريكية أو "ناسداك". فكانت تلك الشركات تدفع نقدية مباشرة لمساهميها عن طريق توزيع الأرباح من خلال إعادة شراء أسهمها بشكل متوازن بين معدل توزيع الأرباح وزيادة شراء الأسهم.
فإنه باستطاعة شركة الكهرباء أن تدرس تلك الفكرة مقتدية بمثيلاتها في العالم وأن تضع استراتيجية تهدف إلى تنويع استثماراتها وتحويل مديونيتها إلى ربحية متنامية والتي من ملامحها:
1. زيادة رأسمالها لتغطية تكاليف مشاريعها الحالية والمستقبلية عن طريق طرح أسهم جديدة وبعلاوة موزونة بحجم مديونيتها.
2. إنشاء شركة غاز موحدة بطريقة متقدمة وتواكب مستوى الحياة المدنية وتعتمد على توزيع الغاز بواسطة شبكة من المصدر إلى المستخدم يضمن استمراريته ويوفر من تكاليف النقل في الأجل الطويل. على أن يتم تمويل تلك الشركة عن طريق الاكتتاب العام ما دامت السيولة متوافرة في السوق وبمعدلات مرتفعة.
3. توزيع ديونها على فترات الطول وعلى الصناديق الاستثمارية الحكومية تمويل إنشاء برنامج إعادة شراء الشركة لأسهمها ما يخدم مصلحة المساهمين وكذلك المصلحة العامة.
4. بيع الدولة جميع أسهمها إلى الشركة عند سعر أقل من سعر السوق حتى تتمكن الشركة من بيعها في السوق مرة ثانية وتدريجيا عندما ترتفع أسعار أسهمها في السوق وتسدد الدولة.
5. تخصيص بعض عمليات إنتاج الكهرباء وقد تتنازل عن بعض المناطق ذات الجدوى الاقتصادية بالنسبة لحجمها لصالح المنشآت الخاصة والأصغر حجما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق