11/20/2010

المضاربة تجعل الأفراد أكثر فقراً

د. فهد محمد بن جمعة*
يذكر بنجمن جراهام إن وول ستريت تعرضت تاريخيا لكسوف لم يسفر كليا أو جزئيا عن توضيح الفرق بين المضاربة والاستثمار في الأسهم، فكيف بسوقنا الذي يمثل تداول الأفراد أكثر من 90% من إجمالي المتداولين. إن الاستثمارات التي تقوم بها صناديق الاستثمار والأفراد ليس أكثر من مجرد تكهنات غير منظمة عما سوف يؤول إليه نمو وأرباح الشركات في المستقبل، فبالتالي يصعب التمييز بين هذه الاستثمارات والمضاربات. فمن الملاحظ إن قيمة تلك الاستثمارات وكذلك متوسط أسعار السوق تميل إلى الزيادة بطريقة غير منتظمة على مدى الأعوام السابقة، لكن صافي استثمارات هؤلاء المستثمرين كما حصل في وول ستريت تتراكم من خلال إعادة استثمار الأرباح غير الموزعة دون أن تتجاوب ارتفاعا أو انخفاضا مع معدل التضخم. فإن معظم الأسهم السعودية تتعرض إلى تقلبات مفرطة في الأسعار في كلا الاتجاهين بعيدة عن أي منطق استثماري أو تحليل مالي، نتيجة للنزعة السلوكية المتأصلة في معظم المتداولين والراغبين في دخول السوق من خلال نفق المضاربة المظلم والمقامرة الخاسرة، بحثا وراء سراب الأمل أو جشع الخيال أو الخوف من الغد، ما يدفعهم إلى البيع والشراء في لحظات من الزمن أو أيام معدودة بغض النظر عن حجم المخاطرة المتوقع. وكما في وول ستريت يوجد عندنا من يشتري أو يبيع الأسهم، بغض النظر عن ماذا يشتري، ولماذا يشتري، وما التكلفة، ومتى يبيع. 
هكذا يتم شراء أسهم المضاربة ذات المخاطر المرتفعة في الوقت الذي يتم فيه بيع الأسهم الأكثر جاذبية وجودة مع احتمال ارتفاع أسعارها، بينما يتحول هؤلاء المضاربون إلى مستثمرين من خلال الشراء المفرط عندما ترتفع الأسهم وتصل إلى مستويات خطرة اعتمادا على قراءات تاريخية سابقة. وهذا ما يعكس النتائج غير العادية في إطار المتغيرات المتكررة في الأسواق المالية، التي ينبغي من المتداول أن يفهمها ويفهم النظام المالي المحلي والاقتصاد العالمي. 
إنه من الخطأ أن يعتقد المتداول أن الأسهم الجيدة هي استثمارات جيدة وأن القيم تحددها قوة الأرباح، حيث إنها اعتقادات مشوهة واستغلالية، فسرعان ما يتحول المستثمرون إلى مضاربين وتصبح مؤسساتنا أكثر غنى (عمولات وغيرها) وحملة الأسهم أكثر فقراً (خسارة بل مديونية) عن طريق رفع نسب القروض الاستثمارية وضمن سياسات محاسبية ومعايير مزدوجة وذات قيم غير منطقية لا تتفاعل مع تلك التناقضات والاكتئاب الذي وجدنا أنفسنا غارقين فيه. ألم يحصل هذا في سوقنا في فبراير 2006م، عندما أصبحت البنوك تغرق الأفراد بالقروض على أمل أنهم يحققون أرباحا هائلة إلى أن انفجر البركان وانقلبت الحالة رأسا على عقب ودفن الأفراد (صغار المستثمرين) تحت ركام أسهمهم فلا منتشل لهم، بينما ربحت البنوك من خلال صناديقها التي لم تتردد في يوما من الأيام أن تسيل محافظ هؤلاء الأفراد لتسترد قروضها وعمولاتها ساخرة من ضحاياها؟! 
دعونا نستمع (لبنجمن) عندما قال إن التباين الحالي بين أسعار السوق والأصول السائلة يعزى إلى حد كبير إلى الطوفان الهائل من السيولة الجديدة التي تدفقت إلى الأسهم في السنوات الأخيرة في خزائن الشركات الأمريكية عن طريق ممارسة حقوق الاكتتاب التي أصبحت سمة من السمات المميزة للأسواق الصاعدة (الثور) بين 1928-1929م، التي كان لها عواقب سلبية، بينما العكس يكون أكثر أمانا. هل ما زلنا نتذكر عندما لامس المؤشر السعودي أعلى قمة له (21000) نقطة في 25 فبراير 2006م قبل أن ينهار في اليوم التالي ويخسر ما يقارب 5% من قيمته ومع ذلك استمرت الاكتتابات العامة (افتح شركة تأمين وكن غنيا) بطرح شركات ليس لها قوائم مالية إلى أن تراكمت السيولة لديها قبل أن تبدأ عملياتها التشغيلية أو تخسر 50% من رأسمالها. فضلا عن إصدار أسهم زيادة راس المال إلى حد كبير (توسع أو انكماش)، مما زاد المعروض من الأسهم وضعفت أسعارها وكذلك وضعها الفني. 

* عضو جمعية اقتصاديات  الطاقة الدولية 
* عضو الجمعية المالية الأمريكية

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...