11/17/2010

كيف تكون مليارديرا في سوق الأسهم السعودية؟

صحيفة الاقتصادية الالكترونية
العدد:4581  old  الموافق:2006-04-27

الاقتصادية

د. فهد محمد بن جمعة


يبدو أن المساهمين السعوديين في سوق الأسهم لم يقرؤوا حتى الآن الأفكار والوسائل والاستراتيجيات التي يتبعها المليارديرات والمستثمرون المشهورون في سوق الأسهم العالمية الذين من أنجحهم المستثمر الملياردير وارن بافت WARREN BUFFETT الذي يستخدم استراتيجية الثراء والامتلاك عندما يرغب في شراء أسهم الشركات, وكيف يتم اختياره لتلك الشركات وكيف يتعامل مع العوامل المؤثرة في سوق الأسهم سواء كانت داخلية أو خارجية, عسى أن يجدوا ضالتهم ليس في المضاربة اليومية التي لن تجعلهم أغنياء في معظم الحالات عندما تتحول الأرباح السريعة إلى مخاطرة سريعة. وإذا ما كنا نصدق حرية سوق الأسهم السعودية دون أي تدخل حكومي طبقا لمبدأ حرية فإن دخول المساهمين وخروجهم في أي لحظة من الوقت أمر مسلم به, والذي قد يعني أن يشترى مستثمر ما مليون سهم عند افتتاح السوق ويبيعها بعد دقائق من الافتتاح, فله تلك الحرية في إطار النظام القانوني واستراتيجيته التي وضعها لنفسه من أجل تعظيم ربحية واختيار الوقت المناسب للشراء والبيع حتى يقلص من مخاطره. لذا فإن مسؤولية المستثمر في سوق الأسهم تقع على عاتقه عندما يخسر أو يهتز جسده كلما تذبذبت الأسعار نتيجة العوامل الداخلية أو الخارجية, وإن عدم فهم ذلك المستثمر لسوق الأسهم والإقدام على عملية المضاربة دون معرفة متكاملة ومسبقة عن الشركات التي يستثمر فيها خطأ شائع وجسيم يتحمله أيضا هو بنفسه, أما إذا كان الخطأ قانونيا أو تنظيميا فتتحمله هيئة سوق المال لأنه من واجبها تنظيم السوق وحماية القواعد الأساسية التي يرتكز عليها ضمن التنظيمات المتبعة في البورصات العالمية فلسنا بأفضل منهم مهما حاولنا ولا يمنع ذلك من تقديم ما هو أفضل إذا ما استطعنا. وعلى هؤلاء المستثمرين أن يتجاوزوا نظرية رفاهية الأسهم وذلك أن الدولة سوف تكون طرفا وعاملا أساسيا تضمن لهم الربحية المتواصلة فإن ذلك ليس من واجبات الدولة تقديم الضمانات وإنما من واجباتها حماية المستثمر قانونيا ونظاميا ووضع السياسات المالية التي تعزز من قدرات سوق الأسهم. وبما أننا قلنا هذا فدعونا نحلل المظاهر العامة لسوق الأسهم السعودية وكيف نتعامل معها وما هي أفضل الطرق والوسائل التي يمكن للمستثمر أن يستفيد منها لاقتناص أفضل الفرص المتاحة من أجل تعظيم دخله في الأجل القصير والطويل. وعلى ذلك فإن الاقتصاد السعودي ما زال في حالة من النمو المستمر الذي تغذيه أسعار النفط حيث إنها تجاوزت حاجز الـ 50 دولارا للبرميل إلى ما فوق 70 دولارا للبرميل في هذه الأيام, وأنه من المتوقع طبقا لمنظمة الطاقة الدولية والكثير من المحللين أن تبقى تلك الأسعار فيما فوق 55 دولارا للبرميل وسوف تستمر في ارتفاعها خلال الـ 20 عاما المقبلة مدعومة بارتفاع الطلب العالمي على تلك السلعة غير المتجددة, ما انعكست آثاره الإيجابية على تحقيق فائض في الميزانية العامة تجاوز حجمها تقريبا في العام الماضي وأنه من المتوقع أن يتجاوز الفائض أيضا هذا العام حجم الميزانية الحالية. إذا المشكلة ليست في الاقتصاد نفسه,  ولا بد أن نبحث عن الأسباب التي أدت إلى زلزلة السوق من تحت أقدام المساهمين وأن نكون أكثر موضوعية بعيدا عن العاطفة وردة فعل الخسارة حتى نربح في المستقبل ولا نكرر الكرة مرة ثانية. إن الخلل يكمن في تركيبة سوق الأسهم السعودية حيث ينقسم المستثمرون في هذه السوق إلى نوعين, هما أصحاب رؤوس الأموال المرتفعة (الكبار) الذين يطبقون نظرية (إذا لم تربح الآن فحاول أن تربح الخسارة بمرة ونصف حتى ولو في الأجل الطويل) وأصحاب الأموال المنخفضة (الصغار) الذين يطبقون نظرية (اربح الآن وبسرعة لتصبح مليونيرا في أسرع فرصة ممكنة), فالكبار يدرسون الشركات ولديهم مستشارون متخصصون يحللون كيف يتم تحقيق أكبر عائد ممكن عند معدل خطر منخفض ودائما يجدون متنفسا لهم من خلال استثماراتهم في الأجل الأجل الطويل (عشر سنوات تقريبا) بينما الصغار على نقيض ذلك فعائدهم الاستثماري متدن وعند معدلات خطر مرتفعة, فنلاحظهم يوما بيوم يبيعون ويشترون بسرعة كلما تذبذبت الأسعار فهم دائما يخسرون في الأجل القصير, ناهيك عن العمولات التي يدفعونها مقابل تداولهم في هذه السوق. كما أن المستثمرين الكبار (ونستطيع تسميتهم أيضا المستقرين) يتكيفون مع تقلبات السوق ودائما يبحثون عن أعلى قيمة ربحية وأفضل قيمة شرائية حتى ولو طالت الفترة بينما الصغار (ونستطيع تسميتهم أيضا المتقلبين) لا يستطيعون الصبر فهم في حاجة إلى النقدية فترى صبرهم ينفد بمجرد انخفاض الأسعار فلا يترددون أن يبيعوا ما لديهم من أسهم وهذا هو لب المشكلة والخسارة المؤلمة. والسبب الآخر تركيز المستثمر على البيع والشراء اليومي رغم التذبذبات الحادة ما يعرضهم إلى خسارة كبيرة لا يستطيعون تعويضها في ظل سوق حديثة وقرارات هيئة متغيرة وشائعات مغرضة تعكس عدم جاهزية ذلك السوق وعدم كفاءته وعدم توافر البيئة الاستثمارية الملاءمة. ففي طبيعة سوقية مثل هذه تمثله العديد من الشركات غير الجيدة إداريا وتنظيميا وربحيا نتوقع كل شيء إذا لم يكن لدى المستثمر الوعي الكافي ويعيش في جهل وغياب المعلومات فإنه لن يتخذ القرار السليم عند شراء أسهم تلك الشركات. والظاهرة الأخرى السيئة التي سهلت لها هيئة سوق المال طرح أسهم الشركات العائلية غير المتماسكة والمحفوفة بالمخاطر والمصابة بالعامل النفسي العائلي ولا نستطيع من تاريخها أن نتكهن بمستقبلها في ظل المنافسة العالمية وبعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية, ولا يمكن الاعتماد على قوائمها المالية التي قد تطبق معايير محاسبية لا يمكن التأكد منها وتنبؤ بمستقبلها ما قد يعرض المستثمرين لخسارة شبه متوقعة, فعندما يطرح جزء بسيط (30 في المائة من رأسمال الشركة) من تلك الشركات للاكتتاب العام مقابل علاوات مرتفعة تتجاوز رأسمالها بعدة مرات فإنه لا بد أن نتوقف قليلا ونفكر في ذلك فلو كانت تلك الشركات جيدة فإنها لن تطلب علاوات مرتفعة ترهق عاتق المستثمر الصغير وإنما يكفيها ارتفاع مكررات ربحيتها التي من خلاله تستطيع تعزيز مراكزها المالية وزيادة تدفقاتها النقدية ثم توسيع استثماراتها. إن سماح بمثل تلك العلاوات من قبل الهيئة يؤدي إلى خلق سوق أسهم رديئة, ودليل قاطع على أن فيها استغلال للمستثمر كما أنه يشجع الشركات العائلية الأخرى بالانخراط في السوق مطالبة بعلاوات مرتفعة مثل غيرها. إن ذلك يعتبر نقلا متعمدا لكل ما تعانيه تلك الشركات أو ما تواجه من شكوك محتملة في المستقبل إلى المستثمرين الصغار لأن الكبار هم أذكى من ذلك ويعرفون تلك الشركات جيدا فهم في الوقت نفسه رجال أعمال ولديهم شركات مماثلة.
إذا ما هو المخرج من تلك الأزمة السوقية وكيف يصبح الصغار في مستوى تفكير الكبار على الأقل حتى لو لم تتساوى القدرات المالية؟ للإجابة على هذا السؤال الذي يحدد مستقبل كل مستثمر في سوق الأسهم السعودية سوف أتطرق في حلقة الخميس المقبل إلى بعض العوامل والأسس والاستراتيجيات التي لا بد من توافرها في المستثمر الناجح مقتديا ببعض السلوكيات الاستثمارية التي تبناها أشهر مستثمر في سوق الأسهم مثل بافت عسى أن نستفيد شيئا منها ينقذ المستثمرين من المأزق الذي وقعوا فيه.

لا يوجد تعليقات


ليست هناك تعليقات:

تناقضات سوق النفط.. شحّ أم فائض في المعروض؟

  الثلاثاء 20 محرم 1447هـ 15 يوليو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة ارتفعت أسعار العقود الآجلة لخام برنت بـ 2.5 % وغرب تكساس بنسبة 2....