11/17/2010

التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لاختناق شوارع الرياض (3 من 3)


صحيفة الاقتصادية الالكترونية
العدد:4434  old  الموافق:2005-12-01

التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لاختناق شوارع الرياض (3 من 3)

د. فهد محمد بن جمعة
كما اعتقد آدم سمث الاقتصادي الكلاسيكي أن تدخل الحكومة في الاقتصاد في حدود ضيقة ويقتصر على بعض الخدمات العامة المهمة ومنها بناء الطرق وصيانتها, فإن تطورات العصر الحديث استطاعت أن ترغم مرتادي الطرق السريعة أن يدفعوا رسوما مقابل استعمالهم هذه الطرق. فهل يعتقد شخص ما أن خدمة الطرق تترك لعمليات السوق مثل أي خدمة عامة أخرى؟ لقد سهلت الثورة التقنية والأقمار الصناعية والكمبيوتر عملية تحصيل رسوم الطرق ونقلتها من غرف التحصيل اليدوية وزحمتها إلى استخدام الأقمار الصناعية التي تستطيع أن تميز بين أنواع السيارات وأوقات الرحلات في أي ساعة من اليوم, لقد تحقق حلم الاقتصاديين ومهندسي الطرق, فإنهم الآن يستطيعون تطبيق سعر التكلفة الحدية للمجتمع MSC الذي كان في الماضي مصطلحا أكاديميا ونظريا بعد إن توافرت الأدوات التقنية لتحويل تلك النظرية إلى واقعية. فمهما ادعى البعض الآخر أن فرض رسوم على الطرق الرئيسية في السعودية لا مكان له حيث لا توجد اختيارات نقل عامة أخرى مثل الحافلات والقطارات في الوقت الحاضر وبشكل منظم ومتكرر فإن فرض ضرائب على الطرق الرئيسية يضيق الخناق على حرية تنقل المسافر من منزله إلى عمله أو أي جهة يقصدها, بينما الواقع الحالي لمدننا يشير إلى أن مدننا تغص بالاختناقات المرورية التي تثير غضب الكثير من المسافرين إلى درجة أن هؤلاء المسافرين لا يعترضون على دفع رسوم مقابل فك ذلك الازدحام ووصولهم إلى الجهات التي يرغبون فيها في أقصر مدة زمنية ممكنة, وهذه الرسوم تمهد الطريق لتوفير شبكة جيدة من الحافلات والقطارات عندما يغير المواطن السعودي من نمط رحلاته بعيدا عن قيادة سيارته الخاصة ويزيد الطلب على تلك المواصلات لأنه في الوقت الحالي حتى لو توافرت تلك الحافلات فإن السعودي سوف يحجم عنها وهذا واضح عندما تشاهد بعض الحافلات المتوافرة في شوارعنا ولا يركبها السعودي, ناهيك عن مدننا أصبحت مدنا أجواؤها ملوثة الآن فما بالك بعد 20 عاما من الآن مع زيادة عدد الرحلات وحركة الأعمال إلى درجة أن هذا التلوث أصبح يهدد حياة المواطن الصحية, وقد ظهرت بعض المؤشرات التي تؤكد ذلك في مجتمعنا. إذاً المصلحة العامة هي الأهم والتخطيط للمستقبل هو الأصلح وتبني فرض رسوم على الطرق السريعة ومواقف السيارات داخل المدن نقلة حضارية تجسد مدى الوعي الذي قد وصل إليه مجتمعنا والمستوى التفكيري والتخطيطي المدرك للأضرار الجانبية لحياة المدن.
إن معظم البلدان التي لا يوجد لديها ضرائب طرق هي التي لا يتعدى طول طرقها الرئيسية أكثر من 5 في المائة من إجمالي شبكة طرقها, وهذا لا ينطبق على شبكة الطرق السعودية الطويلة والكثيفة والمتشابكة التي في بعض الأحيان تسلك جبالا وأراضي وعرة ورملية تزيد من تكاليف بنائها وتشغيلها وصيانتها, فإن لدى الحكومة السعودية عدة اختيارات لتطبيق رسوم على الطرق الرئيسية ومواقف السيارات كما هو حاصل في الكثير من دوال العالم من حولنا. فبعض البلدان تفرض ضرائب على الطرق بواسطة القطاع الخاص لأنها عادة مشتغلة في بناء الطرق وتشغيلها كما يلاحظ ذلك في دول جنوب أمريكا, حيث تسند مهمة الطرق إلى الشركات الخاصة بينما نرى العكس في الولايات المتحدة, اليابان, وفرنسا التي تملك حكوماتها شبكة طرقها العامة وتقوم بتشغيلها, ورغم أن فرض ضرائب الطرق لها آثار اجتماعية إيجابية منها تقليص عدد الرحلات غير الضرورية وتحد من مستوى تلوث البيئية ولكن وفي الوقت نفسه لها آثار سلبية فقد تحرم ذوي الدخل المحدود من استعمال تلك الطرق وأيضا تتسبب في تحول أصحاب السيارات إلى استعمال الطرق التي تتخلل الأحياء ما قد يزعج سكانها وينتج عنه أضرار بيئية أكبر مما تقدمه تلك الضرائب من منافع, ولكن هذا لا يلغي أهمية تلك الضرائب عند مقارنة منافعها الاجتماعية مع ما قد يخسره الفرد نتيجة تلك الضرائب التي تحمي المجتمع من تحمل التكاليف الناتجة من الرحلات المتكررة وغير الضرورية في الطرق السريعة عندما لا يدفع المسافر جزءا من تلك التكاليف التي تتصاعد مع زيادة عدد الرحلات المتكررة خلال اليوم وزيادة استهلاك تلك الطرق وارتفاع تكاليف تشغيلها وصيانتها. إنه لا بد للحكومة أن تتدخل في ذلك الفشل السوقي وتخفض الطلب على الطرق السريعة الذي زاد على طاقتها الاستيعابية, فقد أوضحت بعض الدراسات أن معدل الضريبة على السيارة في معظم البلدان يراوح ما بين 0.03 إلى 0.08 من الدولار لكل كيلومتر تقطعه تلك السيارة وهذا يعطينا فكرة عن كيفيه تطبيق رسوم الطرق بناء على عدد الكيلو مترات مع الأخذ في الاعتبار اختلاف البلدان ومستوى المعيشة فيها وحجم الازدحام المروري في طرقها. وإذا ما قيمنا تكلفة الوقت الذي يضيعه المسافر في تلك الطرق فإنه قد تتراوح ما بين خمسة إلى عشرة ريالات لكل رحلة وإذا ما تم إحصاء عدد الرحلات اليومية فإننا نستطيع تقييم تكاليف الازدحام المروري الذي يقدر بمليارات الريالات سنويا.
إن الحكومة تستطيع أن تختار النظام المفتوح لتحصيل الضريبة حيث لا توجد مراكز على مداخل الطرق أو مخارجها بل توجد مراكز تحصيل على طول الطريق ولا يأخذ ذلك في الحسبان مسافة الرحلة وهذا يحدث في المناطق المدنية ذات الحركة المرورية الكثيفة ولكن العائد من هذا النظام أقل من النظام المغلق الذي يراقب المداخل وتحصل ضريبة عند المخارج على كل مسافر بناء على المسافة التي قطعها ولكن هذا النظام تكلفته مرتفعة ويتطلب بنية تحتية ومزيدا من العمالة, أو أن تستعمل ضريبة الظل Shadow Tolls مثلما هو معمول به في بريطانيا, فنلندا, وآيرلندا حيث لا يدفع المسافرين أي ضريبة ولكن الحكومة نفسها تدفع ضريبة لمشغل الطرق من القطاع الخاص لعدد من السنوات, على أن تشغيل الطرق بواسطة الشركات الخاصة يزيد من فعالية الخدمات وهذا يتطلب فقط اتفاق الحكومة مع المشغل على معدل ضريبي على كل سيارة حسب نوعها وعدد السيارات في تلك الطرق ولكن هذا النظام مكلف للغاية, ويتم تحصيل ضرائب الطرق في العالم عادة من خلال ثلاث طرق إما يدويا أو مختلطا يدويا وتقنيا أو تقنيا فقط ولكل منها إيجابيات وسلبيات ويبقى نظام الأقمار الصناعية هو الأفضل والذي تتجه معظم البلدان إلى تطبيقه بشكل أوسع.

لا يوجد تعليقات

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...