11/17/2010

العمالة تقوض نشاط المنشآت الصغيرة

صحيفة الاقتصادية الالكترونية
العدد:4658  old  الموافق:2006-07-13

د. فهد محمد بن جمعة


إن توافر رأس المال من خلال برنامج "كفالة" الذي يتيح للمنشآت الصغيرة والمتوسطه الاقتراض من البنوك بضمان من الدولة، والذي يوازيه بنك التسليف برأسمال قدره سبعة مليارات بعد الزيادة الأخيرة ومن دون فائدة سوف يلعب دورا مهما في تنمية وتوسيع نشاط تلك المنشآت، ولكنه لا يكفي لتحفيزها على ممارسة أعمالها وتحسين أدائها دون وجود العمالة التي تمثل أهم عناصر الإنتاج في تلك المنشآت لإكمال دورة أعمالها التجارية، وخلق فرص أعمال جديدة تكون لها قيمة مضافة إلى الاقتصاد المحلي حتى لا تبقى تلك القروض في بنوكها. لذا لا بد أن يتغير شعار السعودة من طباخ أو حلاق كما تردد في الصحف المحلية وبعض المحطات الفضائية إلى شعار محبب إلى السعوديين بأن يكونوا أطباء وصناعيون وتقنيون في سوق عمل ضيّق لا تتوافر فيه العمالة الماهرة المتخصصة في مجال المال والأعمال. فهل يا ترى قد امتلأت معظم مجالات العمل بالسعوديين حتى نبحث عن وظائف نادرا ما يتقبلها الباحثون عن العمل، ليس في السعودية فقط وإنما في دول العالم من حولنا، ونصرف النظر عن الوظائف الشاغرة التي قد يتقبلها السعودي حتى ولو كان قبولا مؤقتا. إن مثل تلك الدعاية غير الواقعية تخالفها مؤشرات توسع تلك المنشآت كما نلاحظه من الجدول المرفق. فعلى وزارة العمل وقرارات العمل أن تؤسس سوق عمل منظم ومتكامل يحفز العامل على تغيير سلوكه ورفع إنتاجيته من خلال استراتيجية توظيفية طويلة الأجل، وذات رؤية واضحة حتى لا تفشل تلك الاستراتيجية في نهاية المطاف وتضر بالسعوديين الباحثين عن العمل من رجال ونساء، وتعطل عنصرا من أهم عناصر الإنتاج في وقت يتزامن معه الانفتاح التجاري وتسابق الدول إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة, ما جعل بعض الصحف المحلية تردد هروب رؤوس الأموال السعودية تهرب مرة ثانية بعد أن عادت للمرة الأولى رغم نفي وزير العمل, ما انعكس سلبا على نشاط المنشآت الصغيرة وقلص من توسعها وأرغم الراغبين في ممارسة التجارة الحرة على العزوف عن الدخول فيها مع توافر تلك القروض التي تدعم قيام منشآت جديدة. وهذا ما أيّدته دراسة حكومية سعودية بأن علاج البطالة الشافي يدخل في تركيبته تنمية القدرات الوطنية ضمن برنامج خطط التنمية الخمسية للموارد البشرية التي تجاوز إجمالي إنفاقها منذ عام 1970م ومن بداية الخطة الخمسية الأولى، أي قبل 35 عاما حتى الآن، ما قدره 670 مليار ريال, فكيف يكون ذلك ونحن عاجزون عن توظيف نسبة بسيطة من السعوديين، حيث إن المرشحين منذ عام 1421هـ حتى عام 1425هـ لم يتجاوز 246 ألف سعودي، والمسجلين 35 ألف تقريبا في الفترة نفسها. ما يدل على أن هناك خللا هيكليا في قرارات العمل والرؤية المستقبلية التي مازالت تغطيها الغيوم. إن الوظائف متوافرة رغم وجود العمالة الوافدة، ولكن الوظائف القيادية وذات العائد الأفضل لا يخلقها إلا النمو الاقتصادي وليس عملية الإحلال في وظائف لا يرغب فيها السعودي على كل حال إما لطبيعتها وإما لتدني رواتبها، وهذا ما تجاهلته قرارات العمل الحالية لأن الأرقام الدقيقة لا تكذب، كما هو موثق في الجدول المرفق، من تناقص في مؤشرات النشاط التجاري. فقد انخفض عدد السجلات التجارية, وسجلات السيدات, رخص المهن الحرة, العلامات التجارية المسجلة في الربع الأخير من عام 1426هـ مقارنة بالفترة نفسها من عام 1425هـ بما نسبته على التوالي: 9, 1, 22, 70 في المائة ما يدل على أن عنصر العمالة كان أهم عامل قد تسبب في تقليص تلك الأنشطة التجارية، في ظل تسهيل إجراءات استخراج تلك السجلات والرخص وتوافر القروض البنكية. لاحظ أنه بعد السماح بمشاركة المرأة في ترشيحات الغرف التجارية والعمل، لم يكن انخفاض سجلات السيدات ملحوظا ولكنه يشير إلى ضرورة إعطاء المرأة فرص عمل في نطاق أوسع ومنحها حرية العمل في المجالات التي ترغب فيها. أما مؤشر السجلات والرخص فإنه يؤكد على المرارة التي تعانيها جميع المنشآت وخاصة المنشآت الصغيرة, التي يقل عدد عمالتها عن 50 عاملا حسب معظم التعريفات المتبعة في كثير من بلدان العالم, مع أن نشاطها يمثل 90 في المائة من المنشآت العاملة في المملكة، وهي العمود الفقري للاقتصاد السعودي ويؤدي دعمها وتنميتها إلى خلق فرص عمل للسعوديين قد تتناسب مع طموحاتهم.


إن تلك الإحصائيات توضح لنا حالة وسلوك العمالة السعودية، وهل لدينا عمالة سعودية كافية تلبي طلب السوق عليها؟ طبعا لا ما دامت العمالة السعودية تمثل 13 في المائة من إجمالي القوة العاملة، فلماذا نربط عدم توظيف السعوديين بوجود العمالة الوافدة وممارسة الضغوط وتشديد الخناق على منشآت القطاع الخاص من خلال تقليص العمالة الوافدة التي تعمل في العديد من الوظائف التي لا يرغب السعودي في إشغالها، ومن خلال عدم توفير العمالة السعودية عند طلبها وترشيحها. وبما أننا قلنا ذلك فإن علينا أن نتخذ القرارات الفاعلة التي يسهل تنفيذها على أرض الواقع بدلا من أن تكون قرارات أحلام وحبرا على ورق كما هو حاصل في الكثير من قراراتنا وخططنا. إننا نطالب كلا من المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس الشورى بدراسة ملحة وسريعة ومن دون تردد لكي يقرروا التالي بعد أن تأزمت قضية العمالة، وأصبح مستقبل توظيف السعوديين والمنشآت الصغيرة في خطر:
1 - إصدار بطاقة عمل لكل سعودي تصبح بمثابة سيرة ذاتية له يستفيد منها وتستفيد منها المنشأة عندما يُراد تقييمه وضبطا لإحصائيات العمالة.
2 - تحفيز السعودي الذي تم توظيفه بأنه إذا ما استمر في عمله خمس سنوات فإنه سوف يحصل على قرض سكني تلقائيا من صندوق الموارد البشرية مقابل خصم 20 في المائة من راتبه.
3 - إيجاد وظائف شاغرة مفتوحة في كل منشأة لكل سعودي بدلا من تقليص العمالة الوافدة الضرورية لاستمرارية المنشآت في أداء أعمالها، والتركيز على التخلص من العمالة السائبة التي تمثل جزءا كبيرا من العمالة الوافدة وتخلق الظل الاقتصادي.
4 - توحيد عدد ساعات العمل في جميع المراكز التجارية، وكذلك مكاتب القطاع الخاص مع القطاع الحكومي.
5 - تدريب السعوديين على رأس العمل، حيث إن المشكلة الحقيقية تتمحور في الانضباط والسلوك العملي ومعرفة طبيعة العمل الذي يمارسونه.

وهذا لن يلغي الحاجة إلى العمالة الوافدة بل إنه يوظف السعوديين على أن يتم سد حاجة المنشآت الخاصة من العمالة المطلوبة حتى لا ينقرض ديناصور تلك المنشآت التي تعيش في حالة احتضار.

لا يوجد تعليقات


ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...