11/17/2010

التأمين الصحي إلى أين؟

صحيفة الاقتصادية الالكترونية
العدد:4546  old  الموافق:2006-03-23

التأمين الصحي إلى أين؟

د. فهد محمد بن جمعة
تسعى الدولة السعودية دائما إلى تعزيز القطاع الصحي، بل إنها تعتبره من أهم القطاعات التي لا بد أن يتميز بكل شفافية وعناية من أجل خدمة جميع المواطنين في مدن المملكة وقراها المتناثرة, مهما كانت تكلفته المالية لأن خدمة المواطنين في هذا القطاع لا تقاس بالمبالغ المالية وإنما بمعدل تحسن الخدمات الصحية من خلال الحماية والعلاج اللذين تقدمهما الدولة لهم. فقد بلغت ميزانية القطاع الصحي والخدمات الاجتماعية لهذا العام 31 مليار ريال, شملت مشاريع صحية جديدة لإنشاء وتجهيز 440 مركزاً للرعاية الصحية الأولية بجميع مناطق المملكة، وإنشاء 24 مستشفىً تبلغ سعتها 3800 سرير، إضافة إلى استكمال تأثيث وتجهيز بعض المستشفيات المنشأة حديثاً، وتوسعة وتحسين وتطوير وترميم بعض المنشآت والمرافق الصحية القائمة، وتبلغ التكاليف التقديرية لتنفيذ تلك المشاريع نحو 4.3 مليار ريال. كما أنه يجري حالياً تنفيذ 89 مستشفى في جميع مناطق المملكة بطاقة سريرية تبلغ نحو 10650 سريرا، وسترتفع نتيجة لذلك الطاقة السريرية للمستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة بعد الانتهاء من تنفيذ هذه المشاريع بنسبة 29 في المائة.
حيث بلغت نسبة الزيادة في ميزانية هذا العام 14.4 % مقارنة بعام 2005. إن هذه الزيادة في ميزانية القطاع الصحي تشكل زيادة في معدل الطلب على الخدمات الصحية مع زيادة معدل النمو السكاني المطرد, ما يجعلنا نتساءل إذا ما كان هذا الإنفاق الحكومي على المستشفيات التابعة لوزارة الصحة وتوسعتها مع تنامي الطلب عليها هو الاختيار الأفضل لتغطية حاجات جميع المحتاجين إلى تلك الخدمات وتقديم أفضل الخدمات كميا ونوعيا؟ أو هل رفع خدمات المستشفيات الحكومية الرئيسية في كل مدينة، وتوفير المراكز الصحية في المناطق النائية مع توفير التأمين الصحي لبعض المواطنين بدلا من التوسع السنوي؟ إن الاختيار الأول هو الاختيار المعمول به حاليا، ونلاحظ أن جودة الخدمات ما زالت متردية، وأن انتظار المريض في غرفة الاستقبال يستغرق ساعات قبل أن يتلقى العلاج ما يوحي أن هناك نقصا في عدد الأطباء والموارد المالية وارتفاعا في تكاليف العلاج لعدم فعالية إدارات تلك المستشفيات وتمكنها من تحسين أدائها وخفض تكاليفها وتوفير الخدمة لكل مواطن يحتاج إليها, إذاً لا بد أن ندرس الخيار الثاني الذي يخلط بين التركيز على المستشفيات الرئيسية وتحسين خدماتها وتقليص تكاليف وزارة الصحة الإجمالية من خلال توفير التأمين الصحي لبعض المراجعين تمهيدا لتعميمه بشكل كامل على عامة المواطنين الذين لا يشملهم التأمين الصحي في القطاع الخاص فيما بعد.
إنه باستطاعتنا تقييم تكاليف الاختيار الثاني تحت قيد التأمين الصحي لجميع المواطنين السعوديين المدنيين مقارنة بحجم ميزانية وزارة الصحة لعام 2006, وهذا التقييم تقريبي وباجتهاد من الكاتب، ولكنه يعطينا فكرة عامة أن الحكومة تستطيع تخفيض تكاليفها الآن ومستقبلا في ظل تزايد عدد العائلات وأفرادها، وذلك باعتماد الخيار المطروح. فقد أكدت النتائج الأولية لمصلحة الإحصاءات العامة لتعداد السكان والمساكن في 15/12/2004م أن عدد المواطنين السعوديين قد بلغ 16.529.302 نسمة (72.9 في المائة) من العدد الإجمالي للسكان. وبلغ عدد المساكن في المملكة يوم التعداد 3.990.559 مسكن. وإذا ما حاولنا أن نحصل على عدد المساكن التي يسكنها السعوديون فقط, فإننا نستطيع تعديل إجمالي المساكن بنسبة عدد إسكان السعوديين من إجمالي السكان ووزنه بمتوسط حجم العائلة السعودية وليكن سبعة أفراد لكل عائلة فإن العدد سوف يكون  2.9مليون مسكن تقريبا. وإذا ما استبعدنا عدد المساكن العسكرية فإن الرقم سوف ينخفض إلى 2.036.383 مسكن. وإذا ما استعملنا هذا الرقم ليمثل عدد العائلات السعودية surrogate variable التي تحتاج إلى تأمين صحي، على سبيل المثال, علما أن بعض تلك العائلات يوفر لها القطاع الخاص تأمينا، فالمتوقع أن يكون إجمالي تكاليف التأمين الصحي على تلك العائلات 18.4 مليار ريال تقريبا، وهذا التقييم اجتهاد من الكاتب لعدم توفر الإحصائيات المطلوبة.
ولكي يكون اختيار التأمين الصحي مبررا فعلينا أن نقيم تكاليف الزيارات إلى المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة عند متوسط السعر السائد في المستشفيات الخاصة لكل زيارة ومتوسط تكلفة الدواء للأمراض العادية, حيث بلغ عدد زيارات مراجعي المراكز الصحية في وزارة الصحة التي يبلغ عددها الآن 1848 مركزا صحيا، حسب الأمراض الشائعة 80 مليون مراجع خلال عام 1425هـ، حيث ارتفع عدد المراجعين من 51.3 مليون مراجع خلال عام 1420/1421هـ إلى نحو 80 مليون مراجع خلال عام 1424/1425هـ، أي بمعدل زيادة بلغت نسبتها 56 في المائة ("الاقتصادية" - 08/02/1427هـ), وبما أن متوسط تكلفة كل زيارة إلى المستشفيات الخاصة يبلغ 100، وإذا ما فرضنا أن معدل صرف الأدوية هو 100 ريال، فإن إجمالي متوسط تكاليف الزيارات يكون 16 مليار ريال، وهذا مبلغ لا يستهان به مع تزايد ارتفاع معدل الأمراض والسكان, وهذا لا يشمل تكاليف العمليات وعلاج الأمراض المزمنة والتمريض، التي في العادة تكاليفها أعلى بكثير من تكاليف الزيارات العلاجية فقط. ففي هذه الحالة ما علينا إلا مقارنة إجمالي متوسط تكاليف العلاج 200 ريال مع ميزانية وزارة الصحة الحالية لنحصل على فرق قدره 15 مليار ريال مازال في حصيلة الوزارة، فهل تستطيع وزارة الصحة أن تعطينا عدد العائلات السعودية التي يمكن التأمين عليها وتكلفة التأمين على كل عائلة حسب عدد أفرادها، حيث إن التأمين على العائلة التي يبلغ عدد أفرادها خمسة أفراد يكلف تسعة آلاف ريال سنويا، حسب ما وفرته بعض شركات التأمين الصحية لنا؟ وهل مبلغ 18.4 مليار ريال يكفي لتأمين على جميع العائلات السعودية؟ وإذا كانت الإجابة لا فما هو المبلغ المتوقع مع حساب معدل نمو الطلب و تكاليف التأمين لـ 10 سنوات القادمة؟ إن الإجابة عن تلك الأسئلة تجعل المواطن يعرف ما هو الاختيار الأفضل من عدمه، على أن هذا الاختيار يستحق أن يخضع لتحليل التكاليف والمنافع إما لإقراره وإما لرفضه.
نتمنى أن نرى تجاوبا من وزارة الصحة حيث سبق أن كتبت عدة مقالات منذ عام 1999م في "الاقتصادية" تتحدث عن تخصيص المستشفيات العامة والتأمين الصحي، وإلى هذه اللحظة لم نر أي بوادر أو تقدم في ذلك الاتجاه.

لا يوجد تعليقات

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...