11/17/2010

نظرية مؤامرة ارتفاع أسعار النفط

صحيفة الاقتصادية الالكترونية
العدد:4742  old  الموافق:2006-10-05

نظرية مؤامرة ارتفاع أسعار النفط

د. فهد محمد بن جمعة
<p><a href="mailto:fahedalajmi@saudi.net.sa">fahedalajmi@saudi.net.sa</a></p>

متابعة لموضوعنا السابق في إطار التحليلات النفطية التي تحدثت كثيرا واختلفت كثيرا فيما إذا كانت نظرية مؤامرة شركات النفط العالمية قد أدت إلى ارتفاع أسعار النفط في السنتين الأخيرتين أو إنها مجرد نظرية لا تؤيدها الحقائق التي يمكن التأكد من وجودها. لذا أكد أصحاب نظرية المؤامرة أن تضاؤل عدد الحفارات في الولايات المتحدة في نهاية عام 1985 تزامنا مع تدهور الأسعار كان مخططا له لتعوض تلك الشركات تكاليفها الإنتاجية المرتفعة وكذلك تكاليف بناء المعامل التكريرية التي قد لا تستفيد من طاقتها الإنتاجية فيما بعد. فإن سلوك تلك الشركات يخبرنا شيئا عن الحاضر والمستقبل كما جاء في دورية جامعة إم آي تي  M.I.T Technology Review بأن سلوك شركات النفط يعتبر مؤشرا مهما للتنبؤ بمستقبل النفط.
فمنذ عام 2001 تضاعف سعر النفط بينما لم تزد تلك الشركات من ميزانية الحفر والتنقيب عن حقول جديدة إلا بنسبة بسيطة ولم تبن أي معمل تكرير جديد منذ عام 1976 ما عدا معمل واحد في أريزونا بدأ بناؤه في 2006 وسوف ينتهي في عام 2010, على الرغم من أن جميع معاملها العاملة تنتج عند أقصى طاقة إنتاجية لها, ولم يتم بناء سفن نفطية جديدة تجاوبا مع الطلب عليها بدلا من إعادة استعمال السفن التي انتهى عمرها الافتراضي, ما يدل على أن هناك حاجة مؤقتة إلى تلك السفن. لذا يستشهد أصحاب نظرية المؤامرة بتلك المؤشرات ويرضون الاعتقاد السائد بأن عدم بناء معامل تكرير جديدة يعود إلى الضغوط التي تمارسها أنصار الطبيعة environmentalists على تلك الشركات حينما نعرف أن هذه الشركات لها علاقات قوية مؤثرة في القرار السياسي وأنها تمتلك رساميل طائلة لا يضاهيها ما يتمتع به هؤلاء الأنصار من تأييد جمهوري والذي يضع كلما ارتفعت أسعار النفط ليتحول شعار المحافظة على البيئة إلى شعار خفض الأسعار. وهذا ما دعا تلك الشركات إلى التورط في نظرية المؤامرة بتضليل المستهلك وأنصار البيئة وكذلك المصدرين, لأنه لو كان لديها الطموح الكافي لبنت معامل تكرير جديدة وما استطاع أنصار البيئة منعها كيف يكون هذا ومن أكبر مؤيديها هو الرئيس بوش ونائبه اللذان أقاما الحروب في الشرق الأوسط من أجل النفط, لكن لم تكن الرغبة موجودة لديها وهذا ما حصل فعلا خلال الـ 30 سنة الماضية, فلم تكن حركة بناء معامل التكرير نشطة أبدا وكأن تلك الشركات تقول كيف نعظم هامش الربح في ظل ارتفاع تكاليف التكرير وتوقعاتها أن إنتاج النفط سيتناقص في المستقبل وستكون القدرة الإنتاجية المتوفرة كافية دون الحاجة إلى بناء معامل جديدة؟ لذا لم يتم بناء أي معامل تكرير في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1976 ما عدا معمل واحد وعلى الرغم من ذلك انخفض عددها من 324 إلى 140 في عام 2005 وبلغ إجمالي القدرة الإنتاجية لجميع المعامل العاملة في الولايات المتحدة 17 مليون برميل في اليوم تقريبا, بينما بلغ معدل الطلب المحلي 21 مليون برميل في اليوم. وهذا ما جعل أمريكا تستورد من خارج حدودها ما يسد تلك الفجوة بين ما يتم تكريره محليا وما يطلب محليا بما يعادل 12 في المائة من إجمالي الجازولين.
<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/gomahhhhhhhhhhh.jpg" width="290" height="350" align="center">
من هنا تكونت فكرة نظرية المؤامرة Conspiracy لدى الكثير من المحللين في سوق النفط بأن تلك الشركات تحاول أن تخلق ندرة نفطية artificial scarcity حتى ترتفع الأسعار وتحقق أقصى أرباح ممكنة ثم تلقي اللوم على الدول المصدرة بأنها ترفع الأسعار دون أن تراعي انعكاسات ذلك على معدل نمو الاقتصاد العالمي. لكن في الحقيقة تلك المؤامرة مفضوحة وكل ما في الأمر أن شركات النفط تتوقع فعلا أن إنتاج النفط سوف يصل إلى ذروته في العقود القادمة, وهذا ما تحاول أن تخفيه عن الجمهور الذي يدفع قيمة تلك الأسعار المرتفعة وحتى لا يتسنى للدول المنتجة أن تعيد حساباتها وتضع استراتيجيات تتناسب مع ما هو متوقع من إنتاجها ضمن سيناريوهات محتمل حدوثها. ففي تقرير بعنوان مستقبل النفط The Outlook for Energy توقعت شركة أيكسوان موبايل إن الزيادة في الطلب العالمي لن يتم تغطيتها إلا عن طريق رفع فعالية الوقود المستخدم بأقصى قدر ممكن, وهذا يعني زيادة فعالية استهلاك الوقود ما قد يعتبر أنه بمثابة إنذار ودليل على أن إنتاج النفط سوف يتناقص في المستقبل. وهذا ما حاولت أيضا تأكيده  شركة شيفرون في بعض إعلاناتها الدعائية بطريقة غير مباشرة, حيث ذكرت أن حرق تريليون برميل من النفط في أول مره استغرق 125 عاما وسوف يستغرق حرق تريليون من البراميل في المرة الثانية 30 عاما تقريبا وعليك تفسير ذلك.
إن ما يضعف نظرية المؤامرة هو ما نراه من حقائق على أرض الواقع بأن ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة يعود إلى عدم قدرة معامل التكرير الأمريكية على زيادة إنتاجيتها لتغطية الطلب المحلي, فضلا عن أن بناء وتوسيع إنتاجية معامل التكرير يواجه فعلا بعض الصعوبات في الأنظمة والقوانين التي منها قانون نظافة الهواء الجديد الذي سوف يتم تفعيله خلال العقد القادم لحماية البيئة من آثار تلك المعامل, ما قد يكلف تلك الشركات أموالا كبيرة من أجل الحصول على التراخيص المطلوبة. كما أن عدم وجود تنسيق بين المستويات الحكومية للحصول على تلك الرخصة يمثل أيضا عائقا في طريق الاستثمارات في زيادة القدرة الإنتاجية لتلك المعامل التكريرية. وقد يكون للعائد الضريبي على الجازولين مرجعا آخر لقبول ارتفاع تلك الأسعار حيث تحصل الحكومة الفيدرالية على 18 دولارا لكل جالون بينما تحصل الولاية على ما لا يقل عن 30 دولارا لكل جالون. لذا فإن تلك الحقائق لا تؤيد وجود نظرية المؤامرة فلا ندري لماذا بعض المحللين يعتقدون أن نظرية المؤامرة ما زالت قائمة؟ بل إن ما نراه هو العكس حيث أدى انخفاض أسعار النفط في الثمانينيات والتسعينيات إلى تأخير برامج تطوير مصادر الطاقة الأخرى بينما ارتفاع الأسعار في السبعينيات قد عجل منها. فلو كانت نظرية المؤامرة قائمة فإنه من المفروض أن يحدث العكس وتستمر الأسعار في انخفاضها حتى لا يتسبب ذلك في انكسار حاد للأسعار في حالة ارتفاعها الحاد ولا يشجع على تطوير واستعمال البدائل الأخرى, بما لا يتفق مع رغبات بعض السياسيين في حملاتهم الانتخابية ومحاولتهم التأثير في الرأي العام بأن تطوير بدائل الطاقة ضروري لأمن الولايات المتحدة إذا ما كانت الأسعار متدنية. وسنتحدث في الحلقة القادمة عن نظرية الذروة.

لا يوجد تعليقات

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...