2/16/2011

التأمين




الدكتور/ فهد محمد بن جمعه

كاتب: اقتصادي ومحلل إقليمي

24-7-2007

ما هي الفوائد التي سيجنيها المواطنون السعوديون من النظام بشكل خاص ؟ وما هي فوائد
النظام واقعيا بالنسبة لدول التعاون بشكل عام ؟

إن الإستراتيجية السكانية لدول مجلس التعاون الخليجي تدعم حرية تنقل عمالتها فيما بينها, فانه من الأجدى لها أن تمد الحماية التأمينية لجميع دولها على إنها خطوه متقدمه في تعزيز خطى الوحدةألاقتصاديه نحو التكامل الاقتصادي المنشود الذي يسعى إليه المجلس. لا سيما إن نظام الحماية التأمينية و تسهيل حركة تنقل العمالة يلغي حدود أسواق العمل ويفتح المنافذ
أمام مواطنيها إذا ما كانت لديهم النزعة الاقتصادية لاغتنام فرص العمل أين ما وجدت في تلك الدول بعد أقرار هذا النظام في القطاعين العام والخاص في 1/يناير/2006م, والذي سوف يتم توحيده بصفه شامله بعد تلافي جميع السلبيات ويتم التقريب بين التشريعات في نهاية عام
2010م. أما فوائد هذا النظام فإنها تتمحور بشكل عام في منح العامل الحرية لاختيار نوع العمل ومكان العمل في دوله المجلس سواء كان هذا العامل سعودي أو من مواطني المجلس. إن النتائج الحقيقة لهذا النظام سوف تكون أكثر وضوح في الأجل المتوسط والطويل، إذا ما كان فعلا عامل أساسيا لتنقل العمالة بنسب متزايدة ولكن في الوقت الحاضرتعتبر فوائده نسبيه ومسانده وليست أساسيه في عمليه اختيار العامل لموطن العمل.
إذا على دول المجلس أن تدقق النظر في الآثار الايجابية والسلبية لهذا النظام ومدى فائدته في دول أصلا ليس لديها ألعماله الكافية, فعندما ننظر إلى حجم القوى العاملة على سبيل المثال في السعودية اكبر اقتصادا وكثافة سكانية بين دوله المجلس فإنها لا تتجاوز 4.029.955 فردا طبقا لأخر إحصائيات صدرت من وزارة الاقتصاد والتخطيط في نهاية النصف الأول من عام 1428هـ (2007 م) بينما كان عدد العاطلين عن العمل 445.198 فردا أو 8.3%. فهل يا ترى سوف يستفيد هؤلاء العاطلين من هذا النظام؟ لا أرى ذلك حيث إن ترجمة الأرقام على ارض الواقع لا تؤيد ذلك ويصعب على السعودي أن ينتقل من مدينته إلي مدينه أخر داخل السعودية فما بالك بوطن أخر. فما زال عرض العمالة السعودية لا يفي بحاجات سوق العمل حيث انه مزال يوجد أكثر من 4 ملايين عامل وافد ما يدل على إن المنفعة ألاقتصاديه محدودة في ظل أسواق عمل ضيقه. ما قد يترتب على ذلك أثر سلبي أن تخسر بعض دول المجلس عمالتها الماهرة لصالح تلك الدول التي تقدم عروض مغريه
ما يترتب عليه تداعيات قد لا يحمد عقباها ومنها:

Ø الحاجة إلى زيادة استقدام ألعماله الوافدة بنسب اكبر مما كانت عليه حتى لا تتضرر المنشآت ويكون له اثر سلبي على معدل النمو الاقتصادي.

Ø بقاء العمالة الغير ماهرة والغير منتجه عاطلة مع زيادة أعدادهم بشكل ملحوظ مع ضعف الطلب عليهم عند أجور منخفضة لا تشجعهم على تحمل عناء السفر والغربة.

Ø ارتفاع تكاليف تسجيل تلك ألعماله في هذا النظام عندما يتكرر تنقلهم من عمل إلى أخر على فترات متقطعة وقصيرة.

Ø انخفاض مستوى الأداء والإنتاجية في المنشآت الخاصة ما يجعلها غير قادرة على المنافسة في ظل العولمة أو استقبال هذا النوع من العمالة.

أما على مستوى دول المجلس فأننا سوف نلاحظ إن الدول ذات الحجم السكاني الصغير وذات النمو الجيد سوف تكون لديها ألقدره على جذب ألعماله الماهرة بنسب اكبر من غيرها مثل ما هو حاصل في دولة الكويت. إذا سوف يكون هناك تغير في نمط تنقل ألعماله من دوله إلى دوله أخري ليس بحثا عن الوظيفة بل بحثا عن ما هو أفضل ما قد يتنافى مع مبادئ هذا النظام. كما إن إجمالي القوى العاملة في دول المجلس غير كفاية لمسايره عمليات التنمية ألاقتصاديه ذات المعدلات ألمرتفعه في ظل ارتفاع إنفاق الحكومات وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية. و ما علينا إلا أن نعمل استفتاء بسيط بتوجيه بعض الأسئلة إلى هؤلاء الذين يعملون في دول المجلس المضيفة قبل وبعد تطبيق النظام حتى نعرف إن الدوافع الأساسية التي جعلتهم يعملون خارج مواطنهم هي عوامل غير نظام التامين. بل قد يكون أثر هذا النظام سلبيا على ألعماله التي انتقلت من قبل تطبيق هذا النظام تهربا من دفع نسبة التامين التي يعتقدون إنها غير مجديه اقتصاديا عند التقاعد إذا ما تم حساب إجمالي القيمة المتوقعة بعد 25 عام من عمر العمل عند معدل خصم قدره (9% ) كما هو في السعودية مقارنه بأفضل فرصه استثمار أخرى على سبيل المثال.
 
هل يمكن للنظام أن يوفر فرص عمل للجانب السعودي كونه يشجع انتقال مواطني دول مجلس التعاون للعمل بتلك الدول وتبادل الكفاءات والخبرات الوطنية ؟

لا شك إن المنافسة بين أسواق العمل هي التي تعظم إجمالي إنتاجيه كل سوق, حيث إن العامل يبحث عن أفضل فرصه عمل تزيد من إنتاجيته وتكسبه أجرا أعلى, فيما تبحث الشركات عن أفضل العمالة من اجل تعظيم الإنتاجية لكل وحدة إنتاجية. إذا السؤال المفروض طرحه ما هي محددات تنقل العمالة بين دول المجلس؟

إن قرار التنقل بقصد العمل تحدده القيمة الحالية لدخل العامل طول حياته العملية طبقا لأفضل الفرص المتاحة له, فكلما كان صافي المكاسب من تنقله ايجابيا كلما كان ذلك مشجعا له, لذا نستطيع أن نقول إن تحسن الفرص ألاقتصاديه في وطن الوجهة يزيد من صافي المكاسب للعامل ويرفع من احتماليه تنقله, وعلى النقيض تحسن الفرص ألاقتصاديه في موطنه الأصل يقلل من احتماليه تنقله, وكذلك ارتفاع تكاليف التنقل أيضا تقلل من احتماليه تنقله. كما أشارت إليه بعض الدراسات في الولايات الأمريكية إن العوامل الإقليمية التي تحدد تنقل العمالة تتمثل في متوسط الدخل في الوطن الأصل أو الوجهة على إن له دورا هام في قرار تنقل العمالة, وكذلك الصفات الدموقرافيه للعامل مثل العمر و مستوى التعليم وفي العادة معظم المتنقلين يكونوا من الأعمار الشابة وذات التعليم المرتفع. فلا أرى إن توفير التامين هو عامل قوي لتشجيع تنقل العمالة بين دول المجلس, وإذا ما كان هناك فارق كبير في نسب التأمين التي تستقطع من أجر العمل في بلد الوجهة فإنه من المحتمل أيضا أن تتراجع نسبة هجرة العمالة Regional migration flow إلى هذا الإقليم خاصة من قبل هؤلاء الذين سوف يدخلون سوق العمل لأول مره وكذلك من العاملين الذين يمتلكون مهارات عمليه عاليه و ذو تخصصات عليها طلب مرتفع, بينما سوف يبقى هؤلاء الذين ليس لديهم أي حافز اقتصادي للانتقال وإنما تسيطر عليهم حوافز أخرى.

وإذا ما كنا نعتقد إن هذا النظام سوف يكون عاملا اقتصاديا هام في إيجاد فرص عمل للسعوديين في دول المجلس من خلال تسهيل تنقلهم (Labor mobility) فلا اعتقد ذلك ولكنه ما زال عامل يمكن إضافته إلي إجمالي المنافع التي يحصل عليها العامل ويوفر له دخلا بعد تقاعده. ولكن إذا ما تفحصنا مدى تأثيره على أي عامل سعودي يتم توظيفه بعد الاتفاق على مقدار أجره وهو يعرف مسبقا انه سوف يتم خصم 9% من أجرة لصالح التأمينات الاجتماعية فانه لا يمانع ويعتبره جزءا من الإجراءات الرسمية. وهذا لا يعني إن التأمين هو الذي رغبه في العمل وإنما عوامل أهم من عامل التامين مثل:

1- تكاليف التنقل التي تزيد بطول المسافة و عدد أفراد العائلة.

2- مقدار الأجر ونسبة الزيادة السنوية التراكمية والترقيات المستقبلية.

3- مدة العقد إذا ما كان عمل يوفر له الراحة والأمان الوظيفي في الأجل الطويل.

4- التعليم والتدريب وكسب مهارات جديدة.

5- الموقع إذا ما كان قريبا من سكنه الأصلي أو على الأقل قريب من عائلته.

إن جميع العوامل التي تم ذكرها تأتي في المقدمة وتجعل عامل حماية التأمين عاملا ضروري ولكن ليس عامل ترغيب يشجع السعودي على الانتقال والعمل في غير موطنه. إن الذي يرغب السعودي في الانتقال هو عرض الوظائف المتاحة، إذا ما كان مجديا اقتصاديا في نظره و يغطي تكاليف انتقاله و تضحيته ببيئته الاجتماعية
التي تربى فيها من اجل العمل, ما يقودنا إلى السؤال التالي:

هل العامل يتبع العمل أم العمل يتبع العامل؟

في حاله نقص عرض العمالة وارتفاع الطلب عليها سوف ترتفع الأجور بشكل متصاعد عندئذ نستطيع أن نقول إن العمل هو الذي تبع العامل ولكن عندما يحدث النقيض وتضعف فرص العمل وتتدنى الأجور فان العامل هو الذي سوف يتبع العمل وهكذا. وهذا يفسر لنا بصوره واضحة إن عوامل سوقالعمل في أي دوله من دول المجلس هي التي تجذب وتنفر العمالة من خلال معدل الأجور فارتفاعها بمعدل كبير يفوق توقعات العامل سوف يجعل أي سوق عمل مركزا للجاذبية لأن العامل ينظر إلى إجمالي المنافع التي سوف يحصل عليها وليس فقط عاملا بحد ذاته.
 
كيف يمكن للنظام حماية المجتمعات الخليجية من تأثيرات العمالة الأجنبية وتعزيز المواطنة
الجماعية بين دول المجلس ؟
 
لا أرى أي علاقة بين نظام التامين وتداعيات العمالة الوافدة فكيف يؤثر هذا النظام على نسبه العمالة الوافدة وهو نظام معمول به داخل دول المجلس منذ عقود طويلة و لم يستطيع أن يخفضها محلياحيث يحصل السعودي على سبيل المثال على التأمين ولا يحصل عليه الوافد. إن الذي يحدد العلاقة بين إجمالي العمالة في دول المجلس والوافدة هو إجمالي حجم الطلب في أسواقها، فكلما اتسعت الفجوة بين إجمالي عرض العمالة الوطنية و إجمالي الطلب عليها كلما زاد الطلب على تلك العمالة الوافدة من اجل تلبيه حاجات التنمية ألاقتصاديه. وهذا الطلب على العمالة تحدده دالة الإنتاج للشركة التي تستخدم مزيج من التقنية والعمالة عند معدلات متفاوتة، فالعامل الذي يعزز فعالية العملية الإنتاجية سوف يتم استخدامه بمعدل اكبر, وإذا ما كانت أجور العمالة اقل منتكلفه التقنية فإنها سوف توظيف عدد اكبر وهكذا. إذا علاج تلك الفجوة يكمن في معالجه عوامل العرض والطلب عن طريق زيادة عرض العمالة الوطنية بإتاحة فرص اكبر لمشاركة المرأة والترخيص للمزيد من المشاريع التي تستخدم التقنية بشكل مكثف وتحتاج إلى عماله بسيطة.

ليست هناك تعليقات:

الطلب على النفط.. يحدد الاستثمارات

  الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ 17 يونيو 2025م المقال الرياض د. فهد محمد بن جمعة صرّح هيثم الغيص، الأمين العام لأوبك، خلال معرض الطاقة العالمي...